الأمير عبد الإله يلعب المحيبس مع طلبة المدارس!!
الكاتب خالد القشطيني
اعتادت وزارة المعارف العراقية في العهد الملكي أن تدعو الطلبة لقضاء شهر في كردستان صيفا. كانت الفكرة الترويح عنهم بعد تسعة أشهر من التعب والدرس، وبعين الوقت كوسيلة يتعرفون خلالها بالأجزاء الأخرى من الوطن، ولا سيما التعرف بإخواننا الأكراد.كانت هذه هي الفكرة. أما فكرتنا نحن فكانت مختلفة تماما. كنا نقول إن الحكومة تريد استبعادنا من العاصمة لينفذوا خلال غيابنا المخططات الإمبريالية للمشاركة في الغزو العدواني على صديقنا الاتحاد السوفيتي !. طبعا، هذا كله على أساس أن أمريكا وبريطانيا وسائر القوى الغربية كانت في حاجة إلى الأربع فرق العراقية لدحر السوفييت !!.
بيد أن تفكيرنا هذا لم يمنعنا من الإسراع في تسجيل أسمائنا للسفرة. كان المحل المقرر لها في مصيف سرسنك في لواء الموصل، الذي يسمونه اليوم بمحافظة نينوى. وصلنا إلى المصيف ووجدنا مخيما كاملا قد أقيم لنا. فوجئنا بهذه الكفاءة النادرة. فهمس بعضنا في أذن الآخر قائلا: "هذي شغلة إنکليز! عرفناها! الإنکليز نصبوا هذا المخيم!" ..
وعلى مقربة من المخيم كان القصر الملكي المتواضع الذي شيد فوق أحد المرتفعات على طابق واحد تحيط بجدرانه البيضاء حديقة صغيرة لا تقل تواضعا عن القصر.
تزامنت إحدى هذه السفرات مع شهر رمضان المبارك. بادرنا إلى إصدار فتوى لأنفسنا بأننا على سفر ولا نحتاج إلى الصيام. ولكننا طالبنا إدارة المخيم باحترام شعائر رمضان الشريف.
إذا كنا لم نصم، فعلى الأقل يجب أن نفطر كمسلمين، ونفطر بكل ما يتضمنه الإفطار الرمضاني من بقلاوة وكنافة وزلابية وما قضت به التقاليد من حلويات وأكلات شهية. هددنا الإدارة بأنهم إذا لم يلبوا طلباتنا فسنعلن الإضراب. قلنا ذلك دون أن يخطر في بالنا أو بال الإدارة، ما الذي يمكننا أن نضرب عنه؟
ولكنهم لبوا مطاليبنا دفعا للمشاكل، فجلسنا كل مساء نأكل كل هذه الخيرات وننتهي بالبقلاوة والكنافة ونشرب اللبن الكردي المدخن ثم الشاي السنكين ونتجشأ ونتهيأ للمشاركة في لعبة رمضان التقليدية المعروفة في العراق بالمحيبس.
جاءنا المدير المسؤول عن المخيم وقال:
"يا أولاد سمو الأمير عبد الإله، ولي العهد، وصل البارحة واليوم يريد أن يفطر ويتعشى معكم ثم ينظم لكم ويشارككم في لعبة المحيبس. أنت يا ولد يا عبود، هذب كلامك ابني، لا تفشر وتكفر كلما تخسر. وأنت يا ولد يا حسين لا تزاغل باللعب. وأنت فاضل اسمع هنا، لا تبقى تلعب وتنقبر بخشمك. هذي عادة ما تليق بحضور الملوك والأمراء. لا تخلون صاحب السمو يأخذ فكرة أن طلاب المدارس في العراق شلة رعاع ويزاغلون حتى مع سيد البلاد. تسمعون؟"
- "نعم أستاذ ولا تخاف. نحطه على رأسنا."
تقوم لعبة المحيبس على إخفاء محبس تحت بطانية واسعة. فخطرت لي خاطرة: "بس أستاذ أعطينا بطانية جديدة. هذي البطانية مليانة براغيث. أكلت أيدينا وأخاف تأكل يد سمو الأمير أيضا وتخليه يهرش الليل كله !!."
جاؤونا ببطانية جديدة نظيفة استبدلت بها بطانيتي القديمة المتهرية. طالما قيل إن المبتدئ باللعب دائما يكسب. وهذا ما تعلمته من الأمير عبد الإله رحمه الله. فحيثما أخفينا المحبس كان يحزر مكانه ويكتشف اليد التي مسكت به وأخفته تحت البطانية المفروشة فوق أيدينا. استمر دأبنا على ذلك لعدة أيام. وكلما فاز ولي العهد بالجولة انصرفنا إلى خيامنا ندمدم و نقول:
"يابا الأمير كان دا يزاغل ويغش هاليوم!"
وكان يوم من أيام رمضان، أيام الخير، وفاتت.
كاردينيا