مهد الغرام ومسرح الغزلان
حيث الهوى ضرب من الإيمان
يتعانق الروحان فيه صبابة ً،
ويعفُّ أن يتعانق الجسدان
فإذا سمعت بعاشقين، فقل هما
ملكان متصلان منفصلان
ما دار ثم سوى الحديث، كأنّه
راح يدير كؤوسها الملكان
****
سل عروة بن حزام عن غصص الهوى
تسمع جواب فتى الغرام العاني
تحنان ساجعة الحمائم في الضحى
وزفير أعواد الجحيم الثاني
وله حديث ، كالدموع إذا جرت
جذبت نظائرها من الأجفان
علم الهوى ، من آل عذرة ، عروة !
كذب الألى قالوا لها علمان
***
ولد الفتى العذري عروة ، بعدما
دارت بوالده رحى الحدثان
فإذا بعروة في مضارب عمه
(( هصر )) ، فكان هناك زغلولان
عفراء ، ابنته ، مع ابن شقيقه
وكلاهما في العمر دون ثمان
وإذا تضمهما الحقول ، فإنهما
ظفرت بمائستين من ريحان
يتراكضان بها - لإن هما بوغتا
فيها - فالأوراق يختبئان
ولطالما وقفا على الوادي وقد
صرخا هناك ليلتقي الصديان
لم يلبسا ريش الهوى لكنما
هو ريش أحلام وريش أماني
***
مزجاً ، فلو خطرت لعفراً فكرة ،
بدرت بها من عروة الشفتان
وإذا التقى النظران تلمع أسطر
يعيا بحل رموزها الولدان
حتى إذا كبرا تولى شرح ما
لم يفهما قلباهما الخفقان
فإذا الوداد هوى وصادف تربة
بكراً ، فطاب مغارساً ومجاني
ويح المحب إذا تملكه الهوى
نمت به عينان فاضحتان
عبثاً يحاول ذو الهوى كتمانه
عبث الهوى يقوى على الكتمان
فدرى به هصر - وكان يسؤوه ،
من عروة ابن شقيقه ، يتمان
وأهم يتمي عروة في عينه
يتم الغنى - لو يسمع الأبوان
فشكا ، إليه منه حب فتاته ،
شفتان تختلجان تختذلان
فأجابه هصر - وكان مخاتلاً -
ستنال من تهوى ، فكن بأمان
***
نعمى على كبد الفتى سقطت ، كما
سقط الندى سحراً على حران
فأحس أن له جناحي طائر
وبدت له زهر النجوم دواني
فجرى يرقص عوده الشعري على
صدر المروج ومعصم الغدران
فيصوغ هيمنة النسيم قصائداً
ويرد زمزمة الغدير أغاني
ما راعه إلا مقالة عمه :
إني أراك عن الغنى متواني
سر للشآم بمتجر .. فأطاعه
وعصى الفؤاد فظل في الأوطان
***
بينا الفتى في الشام يكدح للغنى
كانت حبيبته تزف لثاني
فتنت محاسنها أثالة وهو من
هصر له نسبان ملتزمان
نسب الدماء وفوقه نسب الغنى
نسبان محبوبان محترمان
فأناله عفراء ، صفقة تاجر
حسب البنات ملابساً وأواني
" ما عامل في الحقل ، حمل يومه
ما ليس يحمل مثله الهرمان "
" يمشي لمنزله ، بنفس مغالب
مر الشقا بحلاوة الوجدان "
" يمحو بفكرته عبوسة دهره
بتبسم في آله وحنان "
" يمشي ، وما هو إن دنا ، حتى رأى
في كوخه المحبوب سحب دخان "
" ورأى اشتعال النار في أخشابه
و بكا النسا وتهافت الشبان "
" فأحس بالجلى : فأسرع ، بيته
أودى ولم تسرع به القدمان "
"فإذا قرينته الحبيبة جثة
وبجنبها ولداه يحترقان "
ما خطب هذا ، وهو أهوا ما رأت
عين وما سمعت به أذنان
بأشد من قول الرواة لعروة:
عفراء أمست زوجة لفلان ...
خلع النحول عليه أفجع ما ارتأى
داء ، وأبلى ما اكتساه عان
سقم به مثلاً تناقاه ، إلى
أقصى القبائل ، ألسن الركبان
***
ما حاضر الروحاء ، دون مناله
وخد السرى في الأمعز الصوان
ليحول دون فتى الهوى وفتاته
إن هوى ضرب من الطيران
فمشى إلى أرض الحبيب ، دليله
عينان إنساناهما غرقان
يلقي القصائد في الطريق ، وحشوها
أنفاس مكلوم الحشا ، ولهان
كالنعجة البيضاء ، حين مرورها
بين الصخور وشائك العيدان ،
تبقي على الأشواك ، من أصوافها ،
خصلاً مخضبة بأحمر قان
ودرى أثالة أن عروة في الحمى
وبما بعروة من هوى وهوان
وأثالة رجل المحامد ، بيته
بيت الفخار وملتقى الضيفان
فابت مرؤته عليه ، أن يرى
رجلاً كعروة مبعداً متداني
فمشى إليه عاتباً : أتكون في
بلدي وليت لخيمتي وخواني ؟..
إني عزمت عليك أنك نازل
عندي ، وإلا ساءني حرماني
- عذراً فإني راجع لحوادث
نزلت بنا ما كن في الحسبان
لا عذر .. لا ، لا عذر - أنظرني إذاً
لغد - إذاً فجر النهار الثاني
وتفارقا ، فإذا بعروة رجمة
تهوي ، عليها انقض صاعقتان
وأشار نحو أثالة بجفونه :
سترى المرؤة أننا كفؤان ..
هجر الديار لوقته ، تسعى به
قدمان هازلتان شاكيتان
هجر الديار ، ديار عفراء التي
طبعت حشاشته على الأحزان
حتى إذا وادي القرى رحبت به
رحبت بشلو لف في أكفان
جثمانه في القبر ، لكن روحه
أبداً مرفوفة على الوديان
***
رن النعي بأذن عفراء ، فهل
شاهدت غصناً من رطيب البان
لعبت به هوج العواصف ، فالتوى
متصفاً و أصيب بالرجفان
هي مثله ، حاشا الدموع وأنة
من صدر محتضر به جرحان
فأتت أثالة ، والدموع سوابح ،
فتلثم الفضي بالمرجاني
قالت : لتعلم أن عروة كان لي
إلفاً ونحن وعروة حدثان
وعلمت أن هواه لا عن ربية
يخزى بها رجلي ويخفض شاني
هلا أذنت بأن أزور ترابه
أفما أبي وأبو الفتى أخوان ؟ ..
- من ذا يمانع أن تفيه حقه
سيري . فما هي غير بعض ثوان
حتى رأيت بقبر عرو بانة
محنية - وا لهفتا للبان ...
ضموا الفتاة إلى الفتى في حفرة
من فوقها غصنان ملتفان
روحان ضمما الهوى فتعانقا
وتعاهداً فتعانق الفنان
***
أنا وفد أبناء الصبابة ، ساجد
من ترب عذرة في أذل مكان
أستنزل الوحي الذي ظفرت به
شعراء عذرة في الزمان الفاني
فتسوغ في أذني جميل رنتي
وتطيب نفس كثير ببياني
مما رااق لي