إن أحد أهم الأسباب التي تدفع بالرجل والمرأة إلى الزواج وتحمل مسؤولياته الجسيمة هو السعي لتحقيق حالة من الاستقرار الروحي . يقترن الفتى والفتاة ، وتبدأ حياتهما الجديدة وفي قلبيهما عزم على بناء مستقبلهما على أسس متينة يوفر لهما شعوراً بالطمأنينة والسلام .
يلوذ الرجل بزوجته إذا ما داهمته الخطوب فيشعر بالثقة تعمر قلبه ، وتلجأ المرأة إلى زوجها لدى شعورها بالخطر فتحس بالسكينة تملأ قلبها ، فالزواج بعني التضامن ، الحب ، التكافل ، الأتحاد وأخيراً يعني الملاذ الأمن الذي يوفّر للزوجين شعوراً بالأمن .
الأب والأم :
يشعر المرء بحاجته إلى من يقف إلى جواره وهو يشقّ طريقه في الحياة . إنه لا يستطيع أن يتحمل كل أعبائها بمفرده ، ولذا فإنه يطمح إلى شريك يخفف من الأعباء التي ينوء بحملها .
وتطمح المرأة أن ترى في زوجها ذلك الأب الرحيم الذي يضمها بعطفه ويغمرها بحبه ، كما أن الرجل يطمح أن يرى في زوجته تلك الأم الرؤوم التي تمسح على رأسه وتغمره بحنانها الفياض .
ومن أجل تحقيق هذه الصورة الجميلة من الحياة الزوجية فإن على الزوجين السعي المتواصل والعزم الأكيد في الابتعاد عن روح الأنانية ، والعمل بإخلاص وتفان على تثبيت عرى التضامن والحب والإيثار والوفاء بينهما .
قيادة الرجل :
الأسرة ككيان صغير يحتاج إلى قيادة وترشيد ، وهي مسؤولية يتحملها الرجل ، مع التأكيد على أنها ليست امتيازاً للرجل بقدر ما هي مسؤولية جسيمة تتطلب البذل والعطاء ، والتشاور.
الرجل هو عماد الأسرة والخيمة التي يجد فيها أعضاء الأسرة ما يصبون إليه من الراحة والأمل.
وإذا كان المرء يحتاج إلى نموذج يقتدي به في حياته ، فإن الرجل هو خير مثال للمرأة تتعلم منه الكثير الكثير في حياتها ؛ ذلك أن المرأة لا تنتظر من زوجها أن يلبّي حاجتها الجنسية فحسب ، بل تنتظر منه ما هو أكثر من ذلك وأسمى . إنها تنتظر منه أن يكون إنساناً ناضجاً يشعر بالمسؤولية وملاذاً آمنا تحس في داخله بالطمأنينة والأمن .
المراة مسكن :
قال تعالى : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) .
يحقق الزواج ضمن ما يحققه من أهداف كبيرة شعوراً بالألفة ويقضي على أحاسيس الوحدة والغربة التي تموج في أعماق الإنسان قبل إقدامه على الزواج .
يشعر الرجل بعواصف الحياة تلفح وجهه ويحس بضغوطها عليه ، فإذا دخل منزله ملأت مشاعر الراحة قلبه وهو يرى زوجته تستقبله بابتسامة مشرقة تغسل قلبه من الهموم وتملأ روحه بالثقة والاعتداد بالنفس .
لقد كان الإمام علي (ع) وبالرغم مما عرف عنه بتحمله للخطوب والمحن ، يسرع إلى منزله إذا ما داهمته المصائب فيشعر بالطمأنينة تغمر قلبه وروحه ، ولم يكن ذلك سوى وجوده قرب فاطمة عليها السلام .
المرأة خير معين للرجل تقوي قلبه وتملأ روحه ثقة في أحلك الظروف وأشدّها قسوة ؛ ذلك أن المرأة مخزون هائل من العاطفة والحب الذي يمكنه أن يسع العالم بأسره .
إظهار المودة :
لا شك بأن المودة والحب يولدان مع الزواج ، فهناك اندماج وتفاعل ينشأ لدى الزوجين ويترعرع بمرور الأيام ؛ غير أن الإسلام يطلب من الرجل والمرأة إظهار حبهما المتبادل لتأكيده أوّلاً ولتجذيره ثانياً . فقد يرتكب الرجل أو المرأة خطأ ما فيفسر على غير حقيقته ، وعندها يولد الشك ؛ ولذا ومن أجل محو تلك الشكوك فإن إعلان الحب وإظهار المودة يعتبر عاملاً مهماً لتبديد ضباب الظنون .
كما أن الحياة المشتركة تتطلب تفاهماً مستمراً من أجل تكامل الزوجين وبناء حياتهما المشتركة على أسس متينة وقوية .
تعزيز المعنويات :
الحياة بحر متلاطم الأمواج ، زاخرة بألوان المحن التي تزلزل القلوب ، ولذا فإن على الزوجين الوقوف معاً في مواجهة ما يعترضهما من أمواج .
الرجل يناضل ويكافح من أجل لقمة العيش ويتحمل في سبيل ذلك ألواناً من المتاعب والضغوط التي قد تزلزل إيمانه بالحياة ؛ وهنا يبرز دور المرأة في بحث روح الثقة بنفسه وتشجيعه على مقاومة ما يعترضه من مشكلات .
إن المرأة ومن خلال وقوفها إلى جانب زوجها في معترك الحياة سوف تصنع بطلاً قادراً على تحدّي كل ألوان المحن .
التعاون :
من المسائل المهمة في توفير الأمن العائلي هو التعاون بين الرجل والمرأة ، إذ ليس من اللياقة أبداً أن تقف المرأة مكتوفة اليدين وهي ترى زوجها يكافح ويكدح ويتصبب عرقا وينزف جهداً في سبيل توفير لقمة العيش الكريم .
وليس من المنطق مطلقاً أن يجلس الرجل في زاوية من البيت دون اكتراث بزوجته التي تدور في البيت هنا وهناك . . تغسل الثياب وتطهو الطعام وترتب أثاث البيت .
إن التعاون بين الزوجين يشيع أجواء المحبة والدفء في فضاء الأسرة ويزيدها مهابة وجلالاً .
عدم التنكيل :
التنكيل معول هدام يضعف أساس البناء العائلي ويبث روح الفتور في العلاقات الزوجية .
قد تخطىء المرأة ، فلا ينبغي للرجل أن ينكل بها لأن ذلك يجرح كرامتها ، وقد يخطىء الرجل فلا يجوز للمرأة أن تلوم زوجها لأن ذلك يضعف من ثقته بنفسه .
النشاط البشري حافل بالأخطاء . والقاعدة أن من لا يخطىء لا يمكن أن يصيب ، فالخطأ مدرسة تعلم الإنسان أن يسلك الطريق الصائب .
إشاعة الدفء :
يتحمل الزوجان مسؤولية بث الدفء في أجواء الأسرة ، غير أن المرأة بما وهبها الله من العاطفة تتحمل القسط الأكبر في ذلك . فالمرأة مخزن للعواطف الإنسانية وينبوع الحب الصافي.
إنها بروحها الوثّابة ودقتها يمكنها أن تشيع النشاط والحيوية في البيت ، وبابتسامها الحنون تتبدد السحب ويتلاشى الضباب فتشرق شمس الحب وتغمر المنزل بالدفء والنور .
المرأة سيد البيت والمسؤول الأول في إدارة مملكتها الصغيرة . إنها ومن خلال مهارتها وفنّها يمكنها أن تجعل جميع الأشياء فيه تنبض بالحياة .
ينبغي على المرأة أن تحول بيتها إلى واحدة صغيرة وارفة الظلال ، فإذا عاد زوجها بعد عناء يوم حافل بالنشاط والجهد وجد جميع الأشياء وكأنها تستقبله ، فيشعر بالراحة تغسل كل تعبه وهمومه . وقد جاء في الأحاديث الشريفة : « جهاد المرأة حسن التبعّل » .
قدر من الراحة :
عندما يعود الرجل إلى البيت يكون همّه الأول أن يلتقط أنفاسه في مكان مريح ، ولذا فإن على المرأة أن تدرك هذه المسألة فتهيئ لشريك حياتها ما يناسب ذلك ، لكي ينعم زوجها بقسط وافر من الراحة والهدوء .
كما أن على الرجل أن يدرك أن زوجته لم تكن تقضي وقتها في استراحة طويلة . إنها هي الأخرى تعمل وتدور في المنزل من أجل إنجاز أعماله ومستلزماته العديدة ، ولذا فعليه إذا ما استمتع باستراحته أن يبادر إلى مساعدة زوجته في شؤونها المنزلية ، ذلك أن هذا الإحساس سوف يصب في مصلحة الأسرة ويشيع فيها جوّاً من التفاهم والانسجام .
الحياة الزوجية تعاون وتضامن « وخيركم خيركم لأهله » كما ورد في الحديث الشريف . ولا ينبغي أن ننسى هنا الجانب العبادي في هذه المسائل ، فالله سبحانه يثيب المحسن ويعاقب المسيء .
الثناء :
من العوامل المشجعة والتي تساعد على إشاعة الانسجام في الأسرة ، الثناء والمديح في وقته وظرفه المناسب . إنه دفقة من الحياة يضخها الرجل في روح امرأته عندما يثني على عمل ما قامت به ، كما أنه وسام شريف تمنحه المرأة لزوجها عندما تمتدح موقفه من مسألة ما .
الإنسان يحتاج إلى ثناء الآخرين لكي يتقدم في عمله ويبدع ، فالتشجيع له دوره البنّاء في التكامل والتقدم نحو الأمام .
إن على الزوجين ، ومن أجل إشاعة الانسجام في الأسرة ، البحث عن النقاط الإيجابية في كل منهما وتنميتها ، والغض عن العيوب ـ قدر الإمكان ـ ومعالجتها بطريقة هادئة بعيداً عن أسلوب التنكيل والتقريع والإهانة .
إن امتداح الرجل لزوجته سوف يجعل له مكاناً أثيراً في قلبها ، كما أن ثناء المرأة على زوجها سوف يوفر لها منزلة سامية في قلبه .
التحمل :
واخيراً فإن التحمل والصبر من العوامل المهمة في توفير الأمن الأسري .
إن على الرجل أن يتحمل سلوك زوجته ولا يثور في وجهها لدى كل هفوة تصدر عنها ، كما أن المرأة عليها أن تصبر ، فلا تتصرف بردود فعل متشنجة إزاء موقف مغيظ يصدر عن زوجها .
إن من علامات العقل ، ضبط النفس وعدم الانقياد وراء الأهواء النفسية ، ينبغي على المرء أن يبدي أكبر قدر من الحكمة في سلوكه ومواقفه .
الزوجان شريكا حياة وليسا غريمين ينتظران تسوية الحساب بينهما في كل لحظة ، بل أحدهما يكمل الآخر ، وكلاهما يتعاونان على تحمل أعباء الحياة . وأول خطوة في هذا الطريق هو أن يتحمل أحدهما الآخر منتظراً الفرصة المناسبة لتقويم إعوجاجه وتصحيح إنحرافه .