هي واحدة من أعظم النساء الحاكمات عبر التاريخ، وهي الفرعون الخامس من الأسرة الثامنة عشرة في مصر القديمة، الملكة حتشبسوت؛
ابنة الفرعون تحتمس الأول والملكة أحموس، جاء في المصادر التاريخية أنها ولدت بتاريخ 1508ق.م، وتزوجت من ابن غير شرعي
لوالدها وهو تحتمس الثاني، وشاركت معه في الحكم بعد موت والدهما، وذلك حلا لمشكلة وجود وريث شرعي له.
وتضاربت الروايات التاريخية حول طريقة وصولها إلى الحكم، حيث ذهب بعض المؤرخين إلى أنها قتلت زوجها تحتمس الثاني من أجل
السلطة، وقيل أنه تنازل بإرادته عن الحكم، بعد موجة الغضب من طرف المعارضين لكونه ليس ابنا شرعيا لتحتمس الأول، وبقيت هي
تواجه الكثير من المشاكل مع من رفضوا فكرة حكمها للبلاد لأنها امرأة، وكانت الأعراف تعتبر الملك ممثلا للإله حورس الحاكم على
الأرض، غير أن حتشبسوت كانت أذكى من أن تتنازل عن حكم مصر بسهولة، فتحايلت بتقمصها شخصية رجالية وافتخرت بأنها ابنة آمون
الإله الخفي الأعظم، من أجل اقناعهم بقدرتها على إدارة شؤون البلاد.
اشتهرت فترة حكمها بالسلام والإزدهار بفضل سياستها الرشيدة، فعملت على توطيد العلاقات وخاصة التجارية مع دول الشرق القديم لمنع
أية حروب معهم، وكانت لها بصمة فذّة في التدبير والتسيير، حيث نشّطت حركة التجارة مع الأقاليم المجاورة لبلادها بعد أن تراجعت كثيرا
في فترة حكم زوجها، كما عمدت إلى واجهة البلاد، فأمرت ببناء القصور الفخمة والمعابد الضخمة وكذا الأضرحة، معتمدة في ذلك على أشهر الفنانين والحرفيين، ومن أبرز منشآتها معبدها الخاص في الدير البحري بالأقصر، وضريح زوجها في وادي الملوك .
كما اهتمت بالأسطول التجاري ودعمت صناعة السفن الكبيرة، من أجل استغلالها في العمليات التجارية ومختلف الحمولات، ومن أهم
السلع التي راجت في عهدها؛ العطور والتوابل، كما عني التجّار أنذاك بنقل الحيوانات المفترسة، والأشجار الإستوائية، وأنواع النباتات، و
الجلود إلى بلادهم، وأبدعوا في استغلالها، حيث كان لهم قصب السبق في اختراع الكثير من الأدوات والمستخدمات البشرية المختلفة.
وقد تجلّت دبلوماسية حتشبسوت ودهاؤها من خلال تلك البعثات التجارية والثقافية التي كانت ترسلها، من أجل تنشيط التجارة من جهة
والاستفادة من ثقافات غيرها من جهة أخرى، أبرزها بعثة المحيط الأطلسي التي تمت على متن أسطول عظيم، من أجل جلب أنواع
الأسماك النادرة لمياه بلادها.
وبعثة بلاد بونت - الصومال حاليا – في البحر الأحمر، التي عادت على مصر بالكثير من المنافع، وأرّخت لها على جدران معبدها، حيث
أرسلت مع تجّارها صنوف الهدايا مثل الكتان وورق البردي، مما جعل ملك بونت بريهو يستقبلهم بحفاوة، ويسمح لهم بنقل الكثير من
الحيوانات والسلع مثل الأخشاب والبخور والعاج والأحجار الكريمة.
بالإضافة إلى بعثة أسوان أين أمرت ببناء مسلتين عظيمتين ونقلهما إلى الأقصر. كما تعزى إليها أضخم مسلة في تاريخ البشرية التي أمرت ببنائها في معبد الكرنك، ويصل وزنها الى 1000 طن، وهي من إحدى عجائب الدنيا، يقصدها السياح من كل حدب وصوب.
وواجهت الملكة حتشبسوت بعض الحركات التمردية في مستعمراتها خارج مصر، لكنها كانت تتعامل برويّة وحكمة، إلى أن ألّب عليها ابن
خليلة زوجها تحتمس الثالث الرأي العام، فتنازلت له على العرش لأجل مصلحة الوطن.*1
وعلى غرار الكثير من الشخصيات التاريخية، ألحقت الروايات بحياتها الكثير من الأعاجيب، أشهرها قصة حبها مع مربّي ابنتها سنموت وهو المهندس الذي بنى لها معبدها الخاص، حيث قيل أنه من شدة حبه لها حفر نفقا بين مقبرتها ومقبرته.
وحسب ما جاء في الثقافة الشعبية أنها أول من ارتدى القفازتين، لإخفاء عيب خلقي في يديها، التي زعموا أنها كانت تحمل اكثر من خمسة
أصابع، رغم أنها تظهر بشكل طبيعي في التماثيل، فلازمتها القفازات التي كانت تطرزها بالأحجار الكريمة.
وبعد رحلة طوت فيها عرش مصر تحت جناحها لفترة تناهز 22 سنة، توفيت حبستشوت بتاريخ 14 يناير 1457ق.م حسب ما جاء في
لوحة وجدت بأرمنت. وقبرها موجود بوادي الملوك.*2
المراجــع:
*1لأنها لم تنجب من زوجها تحتمس الثاني سوى ابنتين ولم تنجب الذكر بينما أنجب زوجها من خليلته إيست ابنا هو تحتمس الثالث.
*2 قيل أنه لم يتم العثور على قبرها الحقيقي ليومنا هذا مجرد تخمينات غير مؤكدة .
كتاب أشهر ملكات التاريخ ، ليديا هويت فارمر
الموسوعة الحرة ويكيبيديا