د. مهرة صقر
من الأمور البديهية أن يبدأ أى فنان يريد التصوير بالزيتية مثلاً، فى التعرف على ذلك الوسيط بشكل جيد قبل إنتاج لوحاته الفنية من خلاله، فسيكون عليه مثلاً التعرف على أنواع الألوان الزيتية المختلفة، والأدوات المرتبطة بالرسم بواسطتها كالفرش، وباليتة الألوان، وحامل الرسم، وطريقة إعداد قماش التصوير “الكانفاس”، وطرق الرسم والتلوين المختلفة … الخ، حتى يستطيع فى النهاية الإبداع من خلال ذلك الوسيط، أو تلك الأداة، دون الشك فى قدرته على تطويعها لتناسب أفكاره هو، ورؤيته الخاصة.
وفى فن التصوير الرقمى – أو الرسم والتلوين من خلال الوسائط الرقمية – نحن نتعامل مع الكمبيوتر والوسائط الرقمية كوسيط وأداة للإبداع، فما هو الكمبيوتر؟ وماذا نعنى بكلمة “رقمى” Digital؟ دعونا نتعرف على ذلك فى عجالة.
ما هو الكمبيوتر؟
الكمبيوتر هو جهاز أو آلة مهمتها الأساسية هى القيام بالحسابات Calculations، أو التحكم فى العمليات التى يُمكن التعبير عنها بطريقة رقميةDigital أو منطقيةLogical ، وذلك من خلال برامج تطبيقية Applications تستطيع مخاطبة أجزاء الكمبيوتر الميكانيكية والكهربية المختلفة Hardware، لتقوم تلك الأجهزة بدورها بتقديم حلول سريعة للمشكلات المختلفة.
وكلمة كمبيوتر Computerفى حد ذاتها تعنى الحاسب الآلى، ومعنى ذلك أن مهمة الكمبيوتر هى أن يقوم بالحسابات Computations القائمة على التعامل مع الأرقام، وهو بالفعل يقوم بهذه المهمة، إلا أن كلمة Computing تعنى أيضًا تبادل المعلومات وتحويلها من هيئة إلى أخرى، وهو ما يقوم به الكمبيوتر أيضًا، وتُسمى عملية التعامل مع هذه البيانات بواسطة الكمبيوتر Processing أى المعالجة، حيث يتم هذا التعامل وفقًا لبرنامج مُحدد Program يكتبه المُبرمج ويضعه فى ذاكرة الكمبيوتر، والبرنامج هو مجموعه من الأوامر المتسلسلة التى تُكتب باحدى لغات البرمجة، ثم تتحول بعد ذلك إلى أوامر وبيانات رقمية Digital يفهمها الكمبيوتر، وفى أى وقت يقوم مُستخدم الكمبيوتر Computer User بالتعامل معه، فهو فى حقيقة الأمر يخاطب البرنامج الذى وضعه المبرمج على الكمبيوتر، وهذا البرنامج بدوره يقوم بمخاطبة جهاز الكمبيوتر نفسه.
ولغة الكمبيوتر هى لغة غاية فى الصعوبة والتعقيد، وهى تُسمى لغة الآلة Machine Language، ولذلك فالمستخدم العادى لا يقوم باستخدامها ليتعامل مع الكمبيوتر، ولكنه يتعامل معه من خلال برامج تحتوى على واجهات عمل، وأوامر، قام المبرمجون بتطويرها لمساعدة المستخدم فى التعامل معه، بل إن حتى مبرمجى الكمبيوتر ومهندسيه لا يتعاملون بهذه اللغة مباشرة، وإنما من خلال لغات أخرى أقل تعقيدًا تقوم بدورها بترجمة ما يُمليه المبرمج من أوامر إلى لغة الآلة .. وبالطبع فإن أهم جزء فى الكمبيوتر هو ذلك الجزء الذى يقوم بترجمة، وتحليل، ومعالجة كل هذه المعلومات والبيانات المعقدة، وهذا الجزء هو معالج البيانات Microprocessor أو كما يطلق عليه البعض العقـل الإلكترونى للكمبيوتر.
كيف يعمل الكمبيوتر؟
الكمبيوتر هو أحد المخترعات العلمية الحديثة التى ساعدت الإنسان فى العديد من المجالات، وهو – ببساطة – أداة لمعالجة البيانات Data، والبيانات تأخذ العديد من الأشكال، فالحروف، والأرقام، والكلمات التى نكتبها من خلال لوحة المفاتيح، والملفات التى نقوم بتخزينها على وسائط التخزين المختلفة داخل الكمبيوتر، كل هذه أنواع مختلفة من البيانات.
وللاقتراب أكثر من فهمنا للكمبيوتر، ومكوناته، وملحقاته، سنجرى مقارنة بسيطة بين كيفية تعامل الإنسان مع البيانات المختلفة ومعالجته لها، وبين كيفية تعامل الكمبيوتر معها .. فإذا نظرنا مثلاً إلى طالب يحضر محاضرة علمية ما، سنجد أنه أثناء المحاضرة يقوم بإستقبال الحقائق والبيانات المختلفة عن طريق الأذن والعين، ثم يقوم بتخزينها داخل ذاكرته، وبعد ذلك يبدأ فى إسترجاعها من ذاكرته، ويبدأ فى تنظيمها وإستيعابها من خلال عقله، وفى نهاية العام الدراسى يستطيع هذا الطالب إخراج ما قام باستيعابه، إما فى صورة مسموعة خلال مناقشة، أو فى صورة مكتوبة كما هو الحال فى الإمتحان التحريرى مثلاً، وذلك عن طريق اللسان أو اليد .. وعلى هذا فإننا نجد أن وحدات إستقبال الإنسان للحقائق المختلفة هى (الأذن والعين)، ووحدة إستيعابه وإدراكه لها هو (العقل)، ووحدة حفظه لها هى (الذاكرة)، ووحدات إخراج هذه الحقائق والمعلومات هى (اللسان أو اليد)، وهذا باختصار هو ما نجده يُكَون معظم أجهزة الكمبيوتر حولنا.
فوحدة المعالجة المركزية Central Processing Unit وتُختصر CPU هى التى تُقابل (عقل) الإنسان ويطلق عليها أيضاً Microprocessor، ووحدة إدخـال البياناتInput Unit، تُقابل فى الإنسان (الأذن والعين)، ووحدة تخزين البيانات فى الكمبيوتر Memory تُقابل (ذاكرة) الإنسان، ووحدة إخراج البيانات بعد معالجتها Output Unit تُقابل فى الإنسان (اللسان واليد).
فالكمبيوتر يقوم بقراءة البيانات التى نقوم بإدخالها له عبر لوحة المفاتيح مثلاً، ثم يقوم بإرسالها للذاكرة، التى تقوم بدورها بإرسالها لمعالج البيانات، الذى يقوم بمعالجتها وإرسالها فى النهاية إلى الشاشة التى تقوم بعرضها، أو يرسلها لوحدات التخزين ليتم تخزينها في ملف، هذه العملية يطلق عليها عملية مدخلات ومخرجات input/output، أو إختصاراً I/O، وهى الطريقة التى يقوم فيها الكمبيوتر بمخاطبة المستخدم، ومخاطبة الأجهزة والأجزاء المادية للكمبيوتر Hardware.
ماذا نعنى بكلمة البيانات Data ؟
البيانات هى مجموعة من الحروف، والأرقام، والرموز، التى تُعطى معنى معينا، ويتم إدخالها إلى الكمبيوتر لمعالجتها وإستخلاص معلومات منها .. فعلى سبيل المثال البيانات الخاصة بإدارة الأعمال تتضن أسماء الموظفين، وأسماء العملاء، وعدد المُنتجات المطلوبة لكل عميل .. وغير ذلك من البيانات.
والبيانات Dataتُمثل المادة الخام التى تتكون منها المعلومات Information حيث أن المعلومات هى أصلاً مجموعة من البيانات تمت معالجتها لتعطى معنى واضحا نستطيع بُناءً عليه إتخاذ العديد من القرارت .. ونحن نتعامل مع البيانات والمعلومات يوميًا، فمثلاً عندما نستيقظ فى الصباح، ننظر إلى الساعة لنعرف الوقت، ثم نسترجع من الذاكرة ميعاد بدء العمل، ثم نقوم بطرح الوقت الحالى من ميعاد بدء العمل، ومن ذلك نخرج بمعلومات هامة، منها مثلاً الوقت المتاح للاستعداد للذهاب إلى العمل، ومن هذه المعلومات نقوم بإتخاذ قرارات مُحددة من شأنها إستغلال هذا الوقت المتاح بشكل جيد، مثل الإسراع فى ارتداء ملابس العمل، والإفطار، لنتمكن من الوصول فى الوقت المحدد.
البيانات الرقمية Digital والتناظرية Analog:
هناك نوعان من البيانات: البيانات المستمرة؛ أى التى يُمكن أن تَشْغل مجموعة لانهائية من القيم، ويُطلق عليها البيانات التناظرية Analog، كالوقت، ودرجة الحرارة، وسرعة السيارة فكلها لها العديد من القيم، فبينما تقول مثلاً أن درجة الحرارة فى الخارج هى 30 درجة مئوية، فإنها فى الواقع قد تكون 30,1 درجة، أو 30,5 أو أى قيمة بين 30 و31 درجة مثلاً.
أما البيانات الرقمية Digital فعلى العكس من ذلك، تَتَحدد فى مجموعة محدودة من القيم، فإشارة المرور مثلاً إما (صفراء)، أو (حمراء)، أو (خضراء)، وهى ليست على سبيل المثال (أصفر يميل إلى الأخضر)، أو (برتقالى) .. والكمبيوتر يستعمل هذا النوع من البيانات (الرقمية) والتى تُسمى أيضًا بالبيانات الثنائية Binary، فالبيانات هنا يتم تحديدها من خلال قيمتان فقط هما (واحد) أو (صفر)، والكمبيوتر يستخدم هذه الصيغة الثنائية للعديد من الأسبـاب أهمهـا:
البساطة فى تمثيل البيانات: فالبيانات الثنائية هى أسهل وأكثر الطرق وضوحًا لتمثيل المعلومات حول شيء ما .. فمثلاً يُعد إستخدام الصفر للتعبير عن حالة عدم العمل OFF ، والواحد للتعبير عن حالة العمل ON، هو التمثيل الأصدق لحالة مصباح كهربى .. فهو إما يعمل أو لايعمل (ON/OFF).
سهولة التوسع والبناء على البيانات: فبإمكاننا – وبسهولة – إستخدام قيمتان ثنائيتان لتمثيل حالة مصباحين كهربيين بدلاً من واحد.
الوضوح: تقل الأخطاء بشكل كبير عندما يكون المطلوب من الكمبيوتر هو تحديد إذا ما كانت القيمة هى صفر أو واحد، ففى هذه الحالة يعرف الكمبيوتر انه لاتوجد أية قيم أخرى بينهما.
السرعة: الكمبيوتر يقوم بعمل ملايين القرارات، والحسابات، فى الثانية الواحدة، وبالتالى فإن حساب هذه البيانات الثنائية يكون أكثر سهولة.
كمبيوتر الرسم والتصوير:
أول جهاز كمبيوتر أبل ماكينتوش - 1979
فى عام 1979م قام كلاً من ستيف وزنياك Steve Wozniak ، و ستيف جوبس Steve Jobs بصنع أول كمبيوتر خاص بالرسم والتصوير فى جراج ، وكان هذا الكمبيوتر هو الأبل ماكينتوش Apple Macintosh .. وفى عام 1984م ظهر للوجود أول جهاز كمبيوتر ماكنتوش شخصى أطلقته شركة أبـل Apple Computer, Inc .. احتوى الجهاز الجديد على نظام للتشغيل يتيح للمستخدم لأول مرة إمكانيـة العمل على واجهة عمل رسومية Graphical User Interface كحل بديل لكتابة الأوامر على شاشة إستقبال الأوامر السوداءCommand Prompt المتعارف عليها فى نظام التشغيل دوس DOS مثلاً، وهكذا تركت شركة أبل بصماتها الواضحة فى عالم الكمبيوتر الشخصى بعد أن أعطت شكلاً جديداً لاستخدام الكمبيوتر، وسرعان ما أصبح جهازها الجديد الجهاز المفضل لدور النشر والمطابع .. والفنانين.
أول جهاز كمبيوتر أبل ماكينتوش طرح فى الأسواق - 1984
جهاز أبل I-Mac الجديد بشاشة اللمس المسطحة يوليو 2010
لوحة الرسوم Sketchpad :
د. إيفان ساذرلاند يقدم عرضًا لاستخدام لوحة الرسوم Sketchpad فى 1963
جاء عام 1962م ليظهر أول برنامج للرسوم فى الكمبيوتر على يد الدكتور إيفان ساذرلاندIvan Sutherland فى معامل معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا MIT وأطلق عليه إسـم لوحة الرسوم Sketchpad .. كـان هـذا البرنامج هو موضوع البحث الذى حصل به ساذرلاند على درجة الدكتوراة ، ويعتبر ساذرلاند هو مؤسس كمبيوتر الرسوم – أو ما يعرف بالكمبيوتر جرافيك – كما نعرفه اليوم، فلقد قدم ساذرلاند مبادئ الرسم، والتصميم، والتجسيم الثلاثى الأبعاد فى رسوم الكمبيوتر، ومفاهيم الحقيقة الإفتراضية وغيرها من المبادئ التى كونت حجر الأساس فى تطوير امكانات الكمبيوتر فى مجال الرسم والتصوير.
لوحة رسوم حديثة من إنتاج شركة واكوم Wacom
قد يظن البعض أن كل تلك المعلومات التقنية الخاصة بجهاز الكمبيوتر ومعنى الرقمية لا فائدة منها الآن بالنسبة لمستخدم الكمبيوتر بشكل عام، وللفنان بشكل خاص – فالكثيرون يتعاملون اليوم مع الكمبيوتر بشكل أو بآخر دون معرفة أسس عمله بالضبط – ولكن هذا ليس بالصحيح على الإطلاق، وبغض النظر عن الاستخدامات العديدة للكمبيوتر والوسائط الرقمية، فإن استخدام الكمبيوتر فى المجال الفنى، هو من أصعب أوجه التعامل مع الكمبيوتر، وربما أكثرها تعقيدًا وتشعبًا.
فإنتاج لوحات فن التصوير على سبيل المثال يتطلب من الفنان معرفة كيفية تعامل الكمبيوتر مع الصور، ونظم الألوان المختلفة مثل نظام (RGB) أو نظام (CMYK) أو (HSB) أو (CIE-Lab) وأى نوع من تلك النظم اللونية نستخدم فى عملنا الفنى، ومفاهيم مختلفة مثل أنواع الصور فى الكمبيوتر كالصور النقطية (الراستر) Raster Images، وصور المتجهات (الفيكتور) Vector Images، وما هى البكسل Pixel، وماذا نعنى بالكثافة النقطية Resolution .. وغير ذلك الكثير من المفاهيم التى تدخل فى أدق تفاصيل عمل وتشغيل الكمبيوتر. ولذلك فالتعرف على كل تلك المفاهيم، بل وربما دراستها كذلك، يعد من الأمور الهامة التى يجب على كل فنان يرغب فى اتخاذ الكمبيوتر والوسائط الرقمية أداة للإبداع ألا يغفلها.
وفى الحلقة القادمة المزيد عن فن التصوير الرقمى.