أنا العراق
قبل مسمياتكم وتوصيفاتكم , وإبتداءاتكم وحكاياتكم , وما فعلتم وأنجزتم وأحرقتم , فضعوا ما تعتقدون وما تفكرون وترون وتجتهدون في صرة , وناموا عليها ولا تصحوا أبدا.
وإذا أعجبكم فدثروا أنفسكم بما ترونه وتعتقدونه , ولا تقحموني بما لا أريد ولا أرضى ولا أرغب.
أنا العراق
يرقد في ترابي الأئمة والأولياء والصالحين , وقادة الحضارة الإسلامية , ورموزها الفكرية والثقافية بزمن تألقها وسطوعها في الأرض , وأضم الأطهار والأخيار الطيبين من أبناء الأمة والدين.
أنا العراق
بلاد الرافدين دجلة والفرات , والنخيل والأعناب والرمان , والحنطة والذرة والشعير , والسهول والجبال والأهوار , وبلاد الحضارات قبل سومر وأكد وبابل وآشور , وما بعدها من أنوار الإنسانية المشرقة , بلاد الثقافة والقانون والقوة والإبداع , ووعاء المدارس والمذاهب والمعتقدات , والأفكار والفلسفات والثقافات والتطلعات.
أنا العراق
قلب الأرض ومهماز إنطلاقها الحضاري , فلماذا أنتم تهينون العراق , وتسقطوه من أعالي الآفاق إلى ضِيقِ وظلام الأنفاق؟!!
أنا العراق
ولا أكون إلا عراقا , أبنائي كل مَن ُولد على أرضي , لا أفرّق بين أحد منهم وأحبهم جميعا وهم عندي سواء , أطعمهم تمرا وأسقيهم ماءا , وأضعهم في أحضاني عند المساء , وأفرح لفرحهم , وأحزن لحزنهم , وأتألم لألمهم , ولا أرغب بدمائهم , فلا تلطخوا تربتي بدماء أبنائي ولا تبللونها بدموعهم.
فأنا أبوكم وأمكم , وحياتكم ومعنى وجودكم , فلا تذلوني بهذا الصراع , الذي أبكى كل ذرة من ترابي , وأشقى كل عزيز ينام في أرضي!!
لا تؤلموني , فتغرزوا خناجر جهلكم , وأسافين حقدكم في ظهري , فلا يجوز للأبناء قتل أبيهم أو أمهم , لا يجوز لكم أن تقامروا ببعضكم وتتصاغروا , وتصعّروا خدودكم للويلات , ولا يجوز أن تمشوا بالأرض بإضطراب وصراع مثلما يحصل للوحوش في الغاب.
أريدكم أحبة طيبين , وأخوة بررة صالحين , وعائلة واحدة , لا يمزقكم شر أو حزب أو طمع , أو كرسي أو مذهب أو دين , أريدكم يدا واحدة , وعصبة قوية متلاحمة , كالجسد الواحد إذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
أريدكم أن تكونوا أمة واحدة وصوتا واحدا , فكلكم أبنائي , أريد سعادتكم وهناءكم وتقدمكم وقوتكم , أريد علمكم ووعيكم , وأكره جهالتكم وتنابزكم بالألقاب والمسميات , وأن يغتب بعضكم بعضا, وأكره أن يسعى الظن وتنمو الضغينة بينكم كالأفاعي السامة.
أريدكم جميعا بخير ورفاه , فلا تجلبوا لي التعاسة وتكونوا أبناءا عاقين , بل عيشوا أبناءا نافعين , ترفعون لوائي , وتديمون إرتقائي وسعادتي في الأرض , التي تتأسى لما يدور على ظهري من أوجاع وفتن وضلالات وإنحرافات , وتشوهات وإنفعالات وإندفاعات إلى جحيم يتلوه جحيم.
أنا العراق
فهل تحبوني , وتعشقون ترابي , فإرحموا أنفسكم وإرحموني , وتكاتفوا وأعينوني , وتحابوا ولا تباغضوا , فأنكم تغضبون الله , والأئمة والأولياء والصالحين , تحابوا بالله , وتوحدوا على كلمة لا إله إلا الله , وإعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا , وكونوا عباد الله إخوانا.
كونوا أبنائي البررة الأزكياء , وصونونني , وحافظوا على وحدة ترابي , ووحدة أبنائي.
وقولوا بصوت واحد :
نعم يا عراق , سنكون أبناءك الأبرار , بعائلة واحدة وقلب واحد وصوت واحد يهتف بإسمك يا عراق , ولا صوت سيعلو على صوت العراق , ولا راية خفاقة في سمائك إلا راية العراق , وسنكون حولها وتحت ساريتها وننشد:
أنا عراقي أنا عراقي , وما أحلى العناق , ما بين الأحبة في العراق , وأروع التلاحم والإتفاق , فكلنا أبناؤك يا عراق.
وسنبقى ننادي , أنا عراقي , أنا عراقي!!
برغم الداء والأعداء , ستبقى كالنسر فوق القمة الشماء , وسترتقي كالبدر في ناصية السماء , أيها العراق يا مقارع الخطوب وحادي الرقاء.
حسنا قال العراق , فأنتم أبنائي , وعلى كل واحد منكم أن ينادي بأعلى صوته:
أنا عراقي...أنا عراقي , وليبتعد عن آفات الدمار والضياع والشقاق والخسران , وعن أمّارات السوء والبهتان.
ولنهتف جميعا:
أنا عراقي...يا عراق...!
هكذا نادتْ بلادي فاسْمعوا صوتَ العراقي
واشْهدوا أنتمْ بأرضٍ في مداراتِ الوفاق
وانكروا بُغضا وحِقدا واكْسروا ظهرَ الشِقاق
واجْعلوا اليومَ جَميلا وعَزيزا بالعِناق