على جانبي طريق يمر في غابات كثيفة قرب مدينة "كيب تاون"، بدأت أشكال حيوانات غامضة وبرّاقة في الظهور منذ حوالي ستة أشهر.
وتجد حالياً فراشات جبلية، والضفدع الشبح، وحرباء كيب تاون، ومجاميع أخرى من الطيور– وتستوطن جميع هذه الأجناس مقاطعة كيب الغربية في جمهورية جنوب أفريقيا.
تم تجسيد كل هذه الحيوانات ضمن 40 عملاً فنياً، وهي تمثل "حديقة حيوانات" ملفتة للنظر تضيء شارع "رودس درايف" في الليل. ويعد "مشروع الكائنات المتوطنة" مجمعا فنيا وصوتيا يولد شعوراً غامراً لدى من يشاهد هذه الحيوانات.
وقد صمم ذلك المشروع الفنان ومخرج الأفلام المحلي برايان ليتل، الذي يأمل في توعية الناس بالحياة البرية المتميزة التي تحيط بمناطق "كيب تاون"، إذ أن قسماً منها مهدد بالانقراض.
أثناء قيادة السيارة في ذلك الشارع بسرعة 50 كيلو متر في الساعة، وعند الوصول إلى أول عمل فني، يُحثّ السائق على تحميل تسجيل صوتي (مجاناً).
يعلِمهم التسجيل الصوتي عن أجناس وأنواع الكائنات المتوطنة في البيئة المحلية ليستمتعوا تماماً بمناظرها.
تستغرق فترة المرور بذلك الشارع، بتلك السرعة، من خمس إلى ست دقائق.
لم يتقدم السيد "ليتل" بأي طلب من السلطات ليبدأ مشروعه الممول ذاتياً. رغم ذلك، فإنه لم يتسلم أي شكوى حتى الآن.
صنع "ليتل" نماذج الحيوانات مستعملاً أشرطة عاكسة للضوء؛ وعندما يحلّ الظلام وتمر السيارات على الطريق الجبلي (وطوله 7 كيلو مترات)، تعكس أشكال الحيوانات أشعة ضوء السيارات.
ويمكنك في هذه الأثناء الاستماع إلى التسجيل الصوتي المرافق للجولة، والذي صممه مهندس الصوت "سيلفان أزتوك" مستعملاً أنغاما مستوحاه من الطبيعة، وأصوات الحيوانات والطيور.
وقال "ليتل" لـ "بي بي سي إيرث": "تجد تماماً ضمن حدود المدينة شارعاً طبيعياً بشكل لا يصدق. إنه حقاً مظلم وغريب وغامض، لكنه في الواقع جميل جداً".
كما يشرح "ليتل" أمله في إلهام أناس آخرين ليشعروا بضرورة "البحث مجددا عن العالم الطبيعي" وذلك بتوجيه السؤال التالي إليهم: "ماذا يعني بالضبط أن توجد أنواع من الكائنات المتوطنة في منطقتك؟".
وأضاف أنه كان قلقاً للخطورة التي يمكن أن تسببها أشكال الحيوانات بالنسبة لقائدي السيارات، ولذا اختبر مرحلة تجريبية "وضعتها بعناية فائقة لكي يراها الناس من مسافة بعيدة".
ويأمل "ليتل" في أن تؤدي الفكرة النهائية للمشروع، وبشكل مؤقت، "إلى تجنب الناس لتلك التنقلات المملة" ونقلهم إلى "عقلية ذات سحر خالص".
يقع "متنزه جبل الطاولة الوطني" على أحد جانبي شارع "رودس درايف". ويعد المتنزه بقعة جميلة ومنطقة مهمة لتنوع الأحياء فيها. وقد ساهم والد "ليتل" في إنشائها، مما ألهب حماس واهتمام الفنان نفسه بالمحافظة على البيئة.
ويطل "جبل الطاولة" على مدينة "كيب تاون"، وهو موطن لما يقرب من 1.470 نوعاً من الزهور، و 70 في المئة منها يوجد على هذا الجبل فقط.
كما أن المتنزه الوطني يعد موطنا لحيوانات متنوعة، بما فيها نوع من السعادين يعرف باسم "رباح شاكما"، والوبر الصخري، ومستعمرة من طيور البطريق النادرة التي تعيش في البرية.
غير أن "ليتل" اختار 16 نوعاً متوطناً من نباتات الفنبوس– وهي شجيرات كثيفة تمثل غطاء نباتيا يضم تنوعا كبيرا للغاية من الكائنات الحية- لكي يمثلها في مشروعه.
وتشمل هذه الأنواع "طيور التمير"، التي تتميز بالصدر البرتقالي وتحب رحيق الزهور. ويقوم هذا النوع من الطيور بدور مهم في تلقيح نباتات الفنبوس. ويمتاز الذكور منها على الأخص بألوانه الجميلة الزاهية، وبالرؤوس والحناجر الجميلة، والظهور الخضراء.
الحيوان الآخر الذي تم تجسيد شكله هو "السلحفاة الهندسية". وقد سُمّيت بهذا الاسم بسبب ترسها المنقوش بروعة. إنه من الحيوانات المهددة بالانقراض ويعتقد أنه ضمن قائمة الـ25 نوعاً من أنواع السلاحف وسلاحف المياه العذبة الأكثر عرضة للانقراض في العالم.
ويعود الانخفاض الحاد في أعدادها في العقود الأخيرة إلى زيادة افتراسها، وكثرة حوادث حرائق الغابات.
ومن الحيوانات الأخرى المهددة بشدة بالانقراض الضفدع الشبح، الذي يعيش في نطاق محدود جداً من الغابات والأرض البور على السفوح الجنوبية والشرقية لجبل الطاولة. ويعتقد بأن أعداده في تناقص مستمر.
لا تساعد نباتات الفنبوس على عيش الحيوانات الكبيرة، إلا أن أحد الثدييات المجسدة في الأشكال الفنية هو "ظبي كيب". إنه ظبي صغير الحجم، وبخلاف بعض الأحياء المتوطنة في نباتات الفنبوس، فهو شائع محلياً وقادر على التكيف. إنه من الحيوانات الليلية في الأساس، ومع ذلك فمن النادر رؤيته لأنه غالباً ما يكون تحت الأحراش الكثيفة.
كانت ردود أفعال المقيمين في "كيب تاون" نحو "مشروع الكائنات المتوطنة" إيجابية جدا، بحسب "ليتل".
ويضيف ليتل: "لم أستطع أن أصدق ردود الفعل. فقد حظي المشروع بشعبية هائلة على الفور".
وتضيف "بريا ريدي" من بلدية مدينة كيب تاون المسؤولة عن شارع "رودس درايف" قائلة: "تفتخر البلدية بابتكارات المقيمين فيها. نحن نرحب بأية بادرة تضيف إلى الجوانب الجمالية لمدينة ’كيب تاون‘ وكل ما يسلط الضوء على التزامنا بالتصميمات المبتكرة".
تعود أهمية "مشروع الكائنات المتوطنة"، جزئياً إلى احتمال سرقة بعض الأعمال الفنية لأشكال الحيوانات. فهي تعكس "الشعور بالخسارة" لأجناس وأنواع في طريقها إلى الانقراض من عالمنا الحقيقي، كما يوضح "ليتل".
ويضيف: "إنه أشبه بوسيلة تولد شعوراً تجاه شيء ربما لن نراه أبداً، مثل السلحفاة الهندسية والضفدع الشبح. سنكون محظوظين، نوعاً ما، إذا رأينا مثل هذه الحيوانات".
ويتابع: "لكن مع هذا المشروع، باستطاعتي أن أؤثر على ذلك الشعور بالخسارة الذي قد ينتاب أي شخص بحيث يصبح ذلك الشعور أقل وطئا، أعني فكرة أو مفهوم انقراض بعض أنواع الكائنات".



يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Earth.