ما دمنا لا نقرأ , فالكتابة لا تنفع!
وما دمنا نقرا ما فينا , ولا نقرأ ما فوق السطور , وما فيها وما بينها , فإن الكتابة لا تنفع.
بل أننا لا نرى ولا نسمع ولا نبصر!
نحن مجتمعات مغلفة بالعواطف والإنفعالات والمخاوف والظنون والشكوك!
بل معصوبة العيون والعقول والآذان!
وربما بلا حواس وبلا إحساس!
مجتمعات مدثرة بالخوالي والسوالف , والهواجس وسوء الظن , وفقدان الثقة , ومكبلة بالتمسك بالسراب , وتطارد الأوهام وسط عواصف الغبار وأعاصير الأهوال.
مجتمعات عليها أن تنقرض , أن تندثر , أن تفترسها المجتمعات الأخرى وتحرر طاقاتها وتستثمرها لصالح حاضرها ومستقبلها.
مجتمعات تدفن رؤوسها في أوحال الماضي , ولا تريد أن تعترف بأنها في زمنها.
فلماذا نكتب , ولا يوجد مَن يرى ويسمع ويدرك؟
الكتابة صارت وسيلة لإطلاق الظنون العليلة , وتفجير نوازع النفوس الأمارة بالبغضاء والكراهية , والداعية إلى التلاحي والهلاك.
الكتابة لا تنفع!
فاكسروا أقلامكم , وتنعموا بصمتكم , فكل شيئ يجري وفقا لإرادة الآخرين!
ولا إرادة للإنسان في المجتمع!
الإنسان مُصادَر الذات والموضوع , وممنوع من الحياة , ومعتقل في زنزانة الأضاليل والأوهام والحاجات والقهر بكل أسباب البقاء.
الكتابة لا تنفع!
فكم كتبنا , ونبهنا وحللنا واستنتجنا , ووضعنا النقاط على الحروف , وأشرنا إلى المآلات والخافيات والآتيات والتداعيات , وما سينجم عن هذا السلوك وذاك.
وأن الكثيرين كتبوا وحللوا في الربع الأخير من القرن العشرين , وتنبئوا بما ستؤول إليه الأوضاع , وما سيأتي من أحداث وتفاعلات , وما هي الأهداف المطلوبة , وقد كتبوا عما نعيشه اليوم وحذروا منه!
ولا مَن يقرأ , ولا مَن يتأمل ويفكر ويسترشد!
إنها المأساة !
وطاحونة الويلات!
التي تدور في مجتمعات تنكرت لمصالحها , وتعثرت بأيامها , ولا تجيد إلا مهارات الإنقضاض على ذاتها وموضوعها.
وهنيئا لمن إكتفى بغيره!
وللأذكياء , الذين يعملون من أجل مصالح أوطانهم , والخسران لمن لا يعرف مصالح بلده , فيتحول إلى ورقة في مهب ريح البرامج والخطط المرسومة , والمُنفذة بطاقة الهدف المطلوب.
فهل سنعرف مصالحنا؟!!
وهل سنقرأ؟!!