أمطري , لا ترحمي طيفي في عمق الظلام |
أمطري صبّي عليّ السيل , يا روح الغمام |
لا تبالي أن تعيديني على الأرض حطام |
وأحيليني , إذا شئت , جليدا أو رخام |
اتركي ريح المساء الممطر الداجي تجنّ |
ودعي الأطيار , تحت المطر القاسي , تئنّ |
أغرقي الأشجار بالماء ولا يحزنك غصن |
زمجري , دوّي , فلن أشكو , لن يأتيك لحن |
أمطري فوقي , كما شئت , على وجهي الحزين |
لا تبالي جسدي الراعش , في كفّ الدجون |
أمطري , سيلي على وجهي , أو غشّي عيوني |
بللي ما شئت كّفيّ وشعري وجبيني |
أغرقي , في ظلمة الليل , القبور الباليه |
وألطمي , ما شئت أبواب القصر العاليه |
أمطري , في الجبل النائي , وفوق الهاويه |
أطفئي النيران , لا تبقي لحيّ باقيه |
آه ما أرهبك الان , وقد ساد السكون |
غير صوت الرّيح , في الأعماق , تدوي في جنون |
لم تزل تهمي , من الأمطار , في الأرض , عيون |
لم يزل قلبي حزينا , تحت أمواج الدجون |
أيّها الأمطار , قد ناداك قلبي البشريّ |
ذلك المغرق في الأشواق , ذاك الشاعريّ |
إغسليه , أم ترى الحزن حماه الأبديّ |
إنه , مثلك يا أمطار , دفّاق نقيّ |
ابدا يسمع , تحت الليل , وقع القطرات |
ساهما يحلم بالماضي وألغاز الممات |
يسأل الأمطار : ما أنت ؟ وما سرّ الحياة ؟ |
وأنا , فيم وجودي ؟ فيم دمعي وشكاتي ؟ |
أيها الأمطار ما ماضيك ؟ من أين نبعت ؟ |
أابنة البحر أم السحب أم الأجواء أنت ؟ |
أم ترى أدمع الموتى الحزانى قد عصرت ؟ |
أم دموعي أنت يا أمطار في شدوي وصمتي ؟ |
ما أنا ؟ ما أنت يا أمطار ؟ ما ذاك الخضمّ ؟ |
أهو الواقع ما أسمع ؟ أم صوتك حلم ؟ |
أيّ شيء حولنا ؟ ليل وإعصار وغيم |
ورعود وبروق وفضاء مدلهمّ |
أسفا لست سوى حلم على الأرض قصير |
تدفن الأحزان أيّامي ويلهو بي شعوري |
لست إلا ذرة في لجّة الدهر المغير |
وغدا يجرفني التيّار , والصمت مصيري |
وغدا تدفعني الأرض سحابا للفضاء |
ويذيب المطر الدفّاق دمعي ودمائي |
ما أنا إلا بقايا مطر ,ملء السماء |
ترجع الريح إلى الأرض به , ذات مساء |
أمطري , دوّي , اغلبي ضجّة أحزاني ويأسي |
أغرقيني , فلقد أغرقت في الآلام نفسي |
إملأي كأسي أمطارا فقد أفرغت كأسي |
واحجبي عني دجى أمسي فقد أبغضت أمسي |