من فضل الله علينا أنه جعل ثواب بعض الأعمال السهلة كبيرًا جدًّا مما يجعل الطريق إلى الجنة ممهَّدًا أمام مَنْ أراد، ومن أعظم الأدلة على ذلك معرفة ثواب قراءة سورة الإخلاص -على قِصَرِها- مرةً واحدة، فقد روى البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ القُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ؟» فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا: أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «اللَّهُ الوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ القُرْآنِ»،

وروى مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ جَزَّأَ الْقُرْآنَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، فَجَعَلَ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ الْقُرْآنِ»،

فما أسهل هذا العمل! فهي سورة قصيرة محفوظة، ولا تأخذ تلاوتها أكثر من دقيقة، ولقد عَلِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذه المساواة في الأجر مع ثلث القرآن سوف تُدْهِش الصحابة،

ولذلك أراد أن يُوصِل إليهم المعنى بشكل واضح، فكان منه هذا الموقف، فقد روى مسلم عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «احْشُدُوا، فَإِنِّي سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ»، فَحَشَدَ مَنْ حَشَدَ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَرَأَ: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، ثُمَّ دَخَلَ،

فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: إِنِّي أُرَى هَذَا خَبَرٌ جَاءَهُ مِنَ السَّمَاءِ فَذَاكَ الَّذِي أَدْخَلَهُ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «إِنِّي قُلْتُ لَكُمْ سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، أَلَا إِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ»، ومن هنا فَهِمَ الصحابة هذه القيمة للسورة فأكثروا من قراءتها، فقد روى البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ»،

ولعل سبب هذه القيمة الهائلة للسورة أنها تصف اللهَ تعالى، وقد فهمنا ذلك من رواية مسلم عَنْ عائشة رضي الله عنها، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِمْ، فَيَخْتِمُ بِقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، فَلَمَّا رَجَعُوا ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟» فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللهَ يُحِبُّهُ»، فلنحرص على تحصيل هذا الأجر الهائل بقراءة سورة الإخلاص كل ليلة،

ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].

المصدر : كتاب " إحياء354 " للدكتور راغب السرجاني