كم تمنيت لو تخلى (على حاتم سليمان) عن تقليده الأعمى للشيخ محمد بن راشد المكتوم، وكم تمنيت لو ترك هوايته الإماراتية، وتحرر من عبوديته الخليجية، وتمسك بعراقيته، أو بعبارة أصح: كم تمنيت لو أعلن تمسكه برماديته، فالرجل يزعم أنه أمير أمراء الرمادي، وأمير أمراء الدليم، ويزعم أنه الزعيم الأوحد في النسق العشائري، وله في المنطقة الخضراء باع طويل في الفسق السياسي. لكنه ينام في خزانة ثياب المكتوم. يقلده في ارتداء كندوراته (دشاديشه) الحمراء والزرقاء والخضراء والصفراء، يلبسها مثلما يلبسها المكتوم، ويتبختر بكوفياته الملونة والفاقعة على الطريقة التي يتبختر بها المكتوم. حتى تضاريس ذقنه ولحيته صارت تشبه لحية المكتوم من حيث السواد والمنحنيات الحادة.ينبغي أن نعترف هنا أن الشيخ محمد بن راشد المكتوم أحرز قصب النجاح والتفوق عندما ارتقى بمدينة (دبي) نحو أعلى المستويات العالمية في معظم المحاور الحضارية. فتحولت على يده إلى فردوس جميل ينافس العواصم الأوربية في تسجيل القفزات النوعية الهائلة على صعيد القارات السبع. لكن العيب كل العيب عندما يلتصق (حاتم سليمان) بأذيال هذا الرجل، ويتمسك بالقشور الخارجية من دون أن يكلف نفسه مشقة البحث عن المضمون والجوهر.الحقيقة أن أمير أمراء التراشق اللساني ليس أميراً على الدليم، فالدليم أمراء أنفسهم، وقد عرفهم القاصي والداني ببساطتهم وجودهم وطيبتهم وحكمتهم وشموخهم وعراقتهم. وعرفهم الناس بوطنيتهم وتفانيهم من أجل أبناء جلدتهم، فهنالك بون شاسع بين الذين أشعلوا فتيل الأزمة ثم لاذوا بالفرار خلف الحدود، وبين الذين يذودون بالدفاع عنها وعن أهلها، ويفتدونها بأموالهم وأنفسهم، وهل يستوي الوطني مع الذي فقد مروءته من أجل حفنة من الدولارات ؟. أم هل يستوي صاحب الغيرة مع الذي فقد غيرته، وانخرط في شبكات التوريط والتدمير والتقسيم والضياع ؟.انظروا إلى اللقطات التي يظهر فيها (حاتم الإماراتي)، ولاحظوا كيف يقلد المكتوم في مشيته البطريقية، وفي ركوبه فوق صهوة جواده، وفي التلويح بعصاه المرنة، وفي إظهار تهدل صدره (الهدل) بدشداشته الفضفاضة، فهو يصر هذه الأيام على التبجح بهوايته الإماراتية المقتصرة على الأزياء فقط، وفقط على الأزياء.حتى الفنان (حاتم العراقي) شرع هو الآخر بتقليدهم والغناء بطريقتهم الرتيبة. فالطيور على أشكالها تقع، وعندنا الكثير من السياسيين الذين تخلوا عن عراقيتهم، وانشغلوا بتقليد الأتراك والإيرانيين والكويتيين والقطريين.مما لا جدال فيه أن التقليد سيد الإعجاب، فهو يلعب دورا هاما في حياة المتطفلين على السياسة، والباحثين عن الرياسة. أما التقليد الأعمى فيظهر جلياً عندما يتأثر الشخص تأثراً شديدا بالآخرين بلا منهجية واضحة، فيتشبه بهم في الملبس والمشرب والعادات والمفاهيم، ويعتقد انه امتلك منزلة عالية، وحقق نجاحاً باهراً، ولم يعِ بأنه يحاول تعويض النقص بالتقليد الأعمى.مما يؤسف له أننا وعلى الرغم من تاريخنا الحافل بالرجال الأفذاذ، لا نجد بيننا من يقلدهم ويقتفي خطواتهم في الزهد والتقشف، وفي العدل والإنصاف، وفي الشجاعة والبسالة، وفي الشموخ والإباء. بل لا نجد من يقلد زعماء العالم الذين كانوا من أشهر الرموز الوطنية في التاريخ الحديث، من أمثال الزعيم الهندي (المهاتما غاندي)، وزعيم الأورغواي (خوسيه موخيكا)، و(نيلسون مانديلا)، وغيرهم.ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين