التنوين في اللغة العربية
التنوين ميزة في لغتنا العربية لا نجدها في لغات أخرى، حيث تجد كثيرًا من المفردات يُرسم على آخر حرف فيها ضمتان، أو فتحتان، أو كسرتان، مثل:
جاء رجلٌ.
قرأتُ كتابًا.
مررتُ بمسجدٍ.
وأصل التنوين هو كتابة نون زائدة بالسكون في آخر الكلمة، لتعطي جرسًا وتنغيما صوتيا موسيقيُا لطيفًا وله في نفس الوقت دلالاته في الكلام.
فقد كانوا يقولون:
جاء رجلُنْ.
قرأتُ كتابَنْ.
مررتُ بمسجدِنْ.
ثم اختصرها علماء اللغة، ووضعوا مكان النون علامة تُغني عنها وتدل عليها، وذلك لمنع الخلط بين نون التنوين وبين النونات الأخرى في أواخر الكلمات، سواء كانت من أصل الكلمة، مثل ( زمن، إنسان، امتهان…)،
أو زائدة عليها، كالتي تكون في آخر المثنَّى والجمع مثل (رجلان، امرأتين، مسلمون، متعلمين…)
فكانت الضمة الثانية، والفتحة الثانية، والكسرة الثانية، وسميت العلامة بعلامة التنوين.
والتنوين يتبع الحركات الإعرابية، وتتغير صورته بتغير تلك الحركات على آخر الكلمة، فنقول:
تنوين بالضم، لأن ما قبله مضموم..
تنوين بالكسر، لأن ما قبله مكسور..
تنوين بالفتح، لأن ما قبله مفتوح.
واختلفت الأقوال في سبب دخول التنوين كلامنا العربي..
فمنهم من قال إن التنوين يستخدم طلبا للخفة.
وآخرون قالوا للتمييز بين الاسم والفعل، حيث إن التنوين يدخل فقط على الاسم، أما الفعل فلا يدخله التنوين مطلقا.
وفريق ثالث قال إن التنوين للتمييز بين الأسماء المصروفة وبين الأسماء الممنوعة من الصرف، فالمصروف يقبل التنوين، أما الممنوع من الصرف فلا يُنوَّن.
يمكن أن يُحذف التنوين جوازًا إذا جاء بعده ساكن، حتى لا يلتقي ساكنان، وذلك طلبًا للخفة، مثل قوله تعالى: (ولا الليل سابقُ النهار)
سابقُ هنا يفترض إنها منونة (سابقٌ)، ولكن حُذف التنوين بسبب الساكن بعده.
وهناك حالات يحذف فيها التنوين وجوبًا، مثل:
1- دخول (أل) التعريف على الاسم المنوَّن، فلا يجتمع التنوين مع (أل) التعريف في كلمة واحدة.
فنقول: جاء (رجلٌ).
أما مع (أل) التعريف، فنقول: جاء (الرجلُ).
ولا نقول جاء (الرجلٌ).
2- إذا كان الاسم المنوَّن مضافًا إلى اسم معرفة.
مثل:
حضر (معلّمُ) الفصل.
حيث لم تُنوَّن كلمة (معلم) هنا لأنها أضيفت إلى كلمة (الفصل).
3- إذا كان الاسم ممنوعًا من الصرف، فلا يُنوَّن.
مثل:
زرتُ (أحمدَ).
ولا نقول: زرتُ (أحمدًا).
لديه (مفاتيحُ) كثيرة.
ولا نقول: لديه (مفاتيحٌ) كثيرة.
4 – يُلغى نطق التنوين، عند الوقف على الكلمة المنَّونة، وذلك لانقطاع الصوت عندها.
فلا نقول: إنه مشهدٌ (عجيبٌ).
بل نقول: إنه مشهدٌ (عجيبْ).
وإن ظهرت علامة التنوين كتابة على الحرف الأخير.
*وإذا كانت الكلمة المنوَّنة التي يوقف عندها منصوبة، فالتنوين هنا ينقلب ألفًا
مثل:
كان خالد مسافرا.
*وإذا كان الاسم المنًّون منتهيًا بتاء مربوطة، يتم الوقوف عليها بنطقها (هاء)، سواء كانت مرفوعة أو منصوبة أو مجرورة.
فنقول: هذه مدينةٌ (جميلةْ).
ولا ننطقها: هذه مدينةٌ (جميلةٌ). حتى وإن رُسِمت علامة التنوين على الحرف الأخير.
ولنأت الآن لفوئد التنوين ودلالاته، فهو لم يأت في اللغة عبثًا بل لتوضيح معنى، وكل متمعن في اللغة يدرك أن أية زيادة على مبنى الكلمة، هي زيادة في المعنى.
ومن أهم تلك الدلالات والفوائد:
1- للدلالة على خفة الاسم المصروف، وعلى تمكُّنه في باب الاسمية، فالفعل لا ينوَّن، لثقله، أما الاسم فقد يلحقه التنوين لخفته. وهذا يسمى تنوين التمكين.
2 – للدلالة على التنكير وعدم التحديد: وغالبًا يلحق هذا التنوين أسماء العلم المنتهية بلفظ (ويه)، مثل سيبويه، وخالويه.
فإذا كنت تتحدث عن شخص معيَّن في ذهنك، فهنا لا يلحقه التنوين لأنه اسم مبني.
فقل:
مررتُ بسيبويه.
ولا تقل:
مررتُ بسيبويهٍ.
أما إذا كنت تتحدث عن شخص غير محدَّد، يسمى بهذا الاسم، و ليس معهودًا بينك وبين من تتحدث معه، فالتنوين هنا يلحق باسمه للدلالة على التنكير.
فقل:
مررت بسيبويهٍ.
وهذا يسمى تنوين التنكير.
3- التنوين في بعض أسماء الأفعال للدلالة على التوسع في المعني، وعدم التحديد.
فحين تقول لشخص: (صَهْ)، بتسكين الهاء، وبدون تنوين، فأنت تعني أن يسكت المتكلم عن كلام معيَّن يتحدثِ به، وأن يتحدث بغيره.
أما إذا قلت له: (صَهٍ)، بتنوين الهاء، فأنت تعني أن يسكت عن الكلام نهائيًا، و لا يتحدث بأي شيء.
4- للدلالة على التعويض:حيث يحل التنوين محل شيء محذوف في الكلمة و يكون عوضا عنه، مثل أن يُحذف حرف الياء من الاسم المنقوص النكرة عند الرفع والجر، ويحل التنوين محله.
مثال:
هذا قاضٍ.
مررت بوادٍ.
فالتنوين هنا تعويض عن حرف الياء المحذوف.
هذا وقد يأتي التنوين عوضًا عن كلمة، كحذف المضاف إليه، وإبقاء المضاف، مثل لفظي: (كل وبعض).
فنقول:
(كلٌّ) يطلب حقه.
فالتنوين هنا جاء للدلالة على حذف المضاف إليه.
وأصل الجملة:
(كلُّ) شخص يطلب حقه.
وقد يأتي التنوين للدلالة على جملة أو أكثر، وغالبًا في كلمة (حينئذٍ)، أو (عندئذ)، أو (يومئذ)، وما شابه ذلك.
مثال:
إذا درس الطالب واجتهد، (ساعتئذٍ) يطمئن إلى نتيجة الامتحان.
فهنا أغنى التنوين عن تكرار الجملة التي قبل كلمة ساعتئذٍ.
5- تنوين المقابلة: وهو اللاحق لجمع المؤنث السالم، مثل: هؤلاء (سيداتٌ)، رأيت (سيداتٍ).
وسُمِّي بتنوين المقابلة، لأنه يقابل النون في جمع المذكر السالم، حيث إن جمع المذكر السالم النكرة لا يُنوَّن، لأن النون أغنته عن التنوين (مسلمون، مسلمين).
أما جمع المؤنث السالم فيلحقه التنوين الذي يعادل النون في جمع المذكر السالم.
المصدر : مدونة عواطف العلوي
___________________