جرادة وعصفور


يُحكى أنه كان هناك شيخٌ يُدعىعصفور ، وكانت لهزوجة تُدعى جرادة، وكانا يعيشان حياة فقرٍ وعوز، وفي أحد الأيامأشارت عليه زوجتهأن يبحث لهعنعمل، ولما لم يجد ما يعملبه.
أشارت عليه أن يعمل نفسه ساحراًويجلس على الرصيف ويحكي ما شاء له منالكلام ، علّه يأتي ببعض النقود في نهاية اليوم ليشتروا بها مايقتاتون به
.
وافق عصفور على رأي زوجته وذهبفي اليوم التالي إلى المدينة وجلس علىالرصيف وبسط أمامه منديلاً ووضع عليه الرمل وأخذ يخُطُّ عليهبأصابعه وكأنه يتقنأسرار هذه الصنعة ، فتهافت الناس عليه كلّ يسألهعنحلٍّ لمشكلته ، وهو يلقيالكلام على عواهنه بعفوية وبساطة وكيفما اتفق ، ولكنه كان كثيراًما يصيب ، وكانيعود في نهاية اليوم وقد جمع كثيراً من النقود حتى تحسّنت حالته ،ودام على ذلكفترة من الزمن اكتسب خلالها شهرة واسعة ، واكتسب كذلك جرأة على العملفي هذا المجال، وحدث في أحد الأيام أن سطت عصابةٌ مناللصوص على خزينة الملك وسرقوا منها صندوقينمن المال ، فدعا الملك وزراءه وتشاوروا في الأمر وقرروا البحثعنساحريضرب الرمل ويكشفعنمكان الصناديق المسروقةويكشفعنالسارقين أيضاً، ولما كان عصفور قد اكتسب شهرة واسعة فقد وصلتشهرته إلىمسامع الملك وحاشيته ، فأمر بإحضاره وطلب منه الكشفعنمكان الصندوقين واللصوص . أُسقط في يد عصفور ولم يدر ما يعمل وطلب مهلة من الملك ليدبر أمورهويضرب الرملويستشير أعوانه ، فأعطاه الملك مهلة أربعين يوماً ، ولما كان عصفورلا يعرف الحسابولا العَدّ ، فأخذ زوجته إلى السوق واشترى أربعين حبةً من الرمانليأكل كل ليلةرمانةً منها فيعرف ما تبقّى من أيام المهلة . وسمع اللصوص الخبروكانوا أربعين لصاًوزعيمهم ، فخشوا من افتضاح أمرهم وأيقنوا أن عصفور كاشفعنهم لامحالة . وفي الليلة الأولى طلب زعيم اللصوص أن يذهب أحدهم إلى بيتعصفور ويتجسّسالأخبار ويحاول أن يسمع ما يقوله عصفور ، وقبل أن ينام عصفور طلبمن زوجته أن تحضررمانة ليأكلوها لانقضاء أول ليلة من أيام المهلة ، وعندما أحضرتهاقال عصفور هذا أولواحد من الأربعين وهو يقصد أول يوم من الأربعين يوماً ، ولما سمعاللص ذلك سقط قلبهفي جوفه ، وظن أن عصفور قد شعر به وعلم بوجوده ، فهرب وعاد إلىزعيمه وأخبره بماسمع من عصفور وكيف شعر به وعلم بوجوده دون أن يراه ، وفي الليلةالتالية بعثوا لصاًآخر ليتجسّس أخبار عصفور ، وعندما أحضرت زوجة عصفور الرمانةقال هذا ثاني واحد من الأربعين وحدث مع الثاني كما حدث مع الأول ،ودام الحال علىذلك عدة ليال حتى ضج اللصوص من الخوف واقشعرت أبدانهم ولما لم يرضَأحدٌ منهمبالذهاب إلى بيت عصفور قرّر الزعيم الذهاب بنفسه وسماع ما يقولهعصفور ، وفيالمساءعندما أحضرت زوجة عصفور له الرمانة أمسك بها وكانت كبيرة وأكبرواحدة فيالرمانات ، فقال عصفور هذا أكبر واحد في الأربعين وهو يقصد حبّةالرمان ، أماالزعيم فظن أنه يقصده لأنه أكبر واحد في العصابة وهو زعيمهم فخافوعاد إلى أصحابهوقرر إعادة الصندوقين وتسليم أنفسهم ، وهكذا فعلوا ، فسلمهم عصفورفي اليوم التاليإلى الملك وطلب منه أن يخفّف عقوبتهم . وطار صيت عصفور بعد ذلكوانتشر خبره وعمّتشهرته كلّ أرجاء المملكة وأصبح ساحر القصر بلا منازع ، وفي يومسألته الملكة وكانتحاملاً وعلى وشك الوضع : هل تعرف أين ألد يا عصفور فكّر عصفورمليّاً ولما لم يعرفالجواب قال : لا فوق ولا تحت ، وصعدت الملكة الدرج إلى حجرتهافسابقها الطَّلْقووضعت قبل أن تصل إلى غرفتها ، فقالت صدق عصفور فقد تنبأ لي بذلكوكافأته وأحسنتإليه . أما الوزير فكان يشك في صدق عصفور ويقول للملك إنه كاذب ،وفي يوم سنحت لهالفرصة أن يمتحن عصفور ويوقع به ، وذلك أن جرادة طارت من مكانهاومرّت أمام شرفةالقصر وعلى مرأى من الملك ووزرائه فانقض عليها عصفور وابتلعهاوكانت كبيرة فوقفت فيحلقه ولم يستطع ابتلاعها فوقع ومات ، فكّر الوزير بمكيدة يوقع بهاعصفور فقال للملكإن كان ساحرك ماهراً فدعه يخبرنا كيف مات هذا العصفور فأمر الملكبإحضاره وسألهالوزيرعنسبب ميتة العصفور . عرف عصفور بالمكيدة لأنه كان يعرف كراهيةالوزير له ،وجعل يندب حظّه ويلوم زوجته التي أشارت عليه وأوقعته في هذا المأزقوقال وهو يجهشبالبكاء :« لولا جرادة ما وقع عصفور » وهو يقصد لولا جرادة زوجتهلما وقع هو في هذاالمأزق ، وظن الملك والوزير أنه يقصد لولا الجرادة التي وقفت فيحلق العصفور لماوقع ومات ، ففرح الملك لفشل مكيدة وزيره وأمر بمكافأة عصفور علىذلك ففرح عصفوربخلاصه بعد أن كان لا يصدق بالنجاة