بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
بعض المؤمنين بظهور المهدي يتصوّرون أنّ نهضة هذا المُنجي ذات طابع انفجاري محض ، وناتجة فقط عن انتشار الظلم والجوع والفساد والطغيان ، أي أنّ مسألة الظهور نوع من الإصلاح ناتج عن تصاعد الفساد.هؤلاء يتصوّرون أنّ مسيرة البشريّة تتّجه إلى انعدام العدل والقسط ، وإلى زوال أنصار الحق والحقيقة ، وإلى استفحال الباطل.وحينما يصل هذا الانحدار إلى نقطة الصفر يحدث الانفجار المرتقب ، وتمتد يد الغيب لإنقاذ الحقيقة ـ لا أنصار الحقيقة ـ إذ لن يبقى للحقيقة أنصار آنذاك.
هذا التصور يُدين كلّ إصلاح ؛ لأنّ الإصلاح يشكّل نقطة مضيئة على ساحة المجتمع العالَمي ، ويؤخِّر الإمداد الغيبي كما يَعتبر هذا التصوّر كلّ ذنب وتمييز وإجحاف مباحاً ؛ لأنّ مثل هذه الظواهر تمهِّد للإصلاح العام وتقرِّب موعد الانفجار.
هذا التصوّر يميل إلى مذهب الذرائع الذي يذهب إلى أنّ الغاية تبرِّر الوسيلة.فإشاعة الفساد ـ بناءاً على هذا التصوّر ـ أفضل عامل على تسريع ظهور المهدي ، وأحسن شكل لانتظار فرج ظهوره
أصحاب هذا التصوّر ينظرون إلى الذنوب نظرة تفاؤل واستبشار ، ويعتبرونها عاملاً مساعداً على انطلاق الثورة المقدّسة الشاملة.
هؤلاء ينظرون إلى المصلحين والمجاهدين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بعين الحقد والعداء..؛ لأنّهم يعملون على تأخير ظهور المهدي.
أصحاب هذا التصوّر ـ إن لم يكونوا هم من زمرة العاصين ـ ينظرون إلى أصحاب المعاصي بعين الارتياح والرضا ؛ لأنّهم يمهِّدون لظهور القائم المنتظر.
تصوّر شبه ديالكتيكي
الاتّجاه المخرِّب في فهم قضيّة ظهور المهدي ، يشترك مع الاتّجاه الديالكتيكي في معارضته للإصلاحات ، وفي تأييده لأنواع الظلم والفساد باعتبارها مقدّمة لانفجار مقدّس ،
مع فارقٍ بين الاتّجاهين هو :أنّ الاتّجاه الديالكتيكي يُعارض الإصلاحات ويؤكّد على ضرورة تشديد الفوضى والاضطرابات ، انطلاقاً من هدف مشخّص يتمثّل في تعميق الفجوات والتناقضات لتصعيد النضال.
لكنّ هذا التفكير المبتذَل في مسألة ظهور المهدي يفتقد هذه النظرة ، ويرتأي زيادة الظلم والفساد من أجل الوصول إلى النتيجة المطلوبة تلقائيّاً.
هذا اللون من الفهم لمسألة ظهور المهدي ، وهذا النوع من الانتظار للفرج ، لا يرتبط على الإطلاق بالموازين الإسلاميّة والقرآنيّة ، إذ إنّه يؤدّي إلى التعمّد في تعطيل الحدود والأحكام الإسلاميّة .
الانتظار البنّاءالآيات الكريمة التي تشكّل أرضيّة التفكير حول ظهور المهدي المنتظر تتّجه إلى جهة معاكسة للنظرة السابقة.
هذه الآيات تشير إلى أنّ ظهور المهدي حلقة من حلقات النضال بين أهل الحق وأهل الباطل ، وإنّ هذا النضال سيسفر عن انتصار قوى الحق ، وتتوقّف مساهمة
الفرد في تحقيق هذا الانتصار على انتمائه العملي إلى فريق أهل الحق.
هذه الآيات التي تستند إليها الروايات في مسألة ظهور المهدي ، تشير إلى أنّ المهدي تجسيد لآمال المؤمنين العاملين ، ومَظهر لحتميّة انتصار فريق المؤمنين.وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) (النور: 55) .ظهور المهدي الموعود تحقيق لمنّة الله على المستضعفين ووسيلة لاستخلافهم في الأرض ووراثتهم لها.
)وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) (القصص5 -6).ظهور المهدي الموعود تحقيق لمَا وعدَ الله به المؤمنين والصالحين والمتّقين في الكتب السماوية المقدّسة:(وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء: 105).
ثمّة حديث معروف في هذا المجال يذكر أنّ المهدي (يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً) .هذا الحديث شاهد على ما ذهبنا إليه في مسألة الظهور ، لا على ادّعاء أرباب الانتظار المخرِّب.
هذا الحديث يركِّز على مسألة الظلم ويشير إلى وجود فئة ظالمة وفئة مظلومة ، وإلى أنّ المهدي يظهر لنصرة الفئة المظلومة التي تستحقّ الحماية.ولو كان الحديث يقول : (إنّ المهدي يملأ الله به الأرض وإيماناً وتوحيداً وصلاحاً ، بعدما مُلئت كفراً وشركاً وفساداً) ، لكان معنى ذلك أنّ نهضة المهدي الموعود تستهدف إنقاذ الحق المسحوق لا إنقاذ أنصار الحق ، وإن كان هؤلاء الأنصار أقليّة.يروي الشيخ الصدوق عن الإمام الصادق (عليه السلام):
(إنّ ظهور المهدي لا يتحقّق حتى يشقي مَن شُقي ويسعُد مَن سعد).
الحديث عن الظهور يدور حول بلوغ كلّ شقي وكلّ سعيد مداه في العمل ، ولا يدور حول بلوغ الأشقياء فقط منتهى درجتهم في الشقاوة.وتتحدّث الروايات الإسلاميّة عن نخبة من المؤمنين يلتحقون بالإمام فور ظهوره.
ومن الطبيعي أنّ هذه النخبة لا تظهر معلّقة في الهواء ، بل لا بدّ من وجود أرضيّة صالحة تربّي هذه النخبة على الرغم من انتشار الظلم والفساد ، وهذا يعني أنّ الظهور لا يقترن بزوال الحق والحقيقة ، بل أهل الحق ـ حتى ولو قلّوا فرضاً ـ يتمتّّعون بكيفيّة عالية تجعلهم في مصافي المؤمنين الأخيار ، وفي مرتبة أنصار الحسين بن علي(عليه السلام).
الروايات الإسلاميّة أيضاً تتحدّث عن سلسلة من النهضات يقوم بها أنصار الحق قبل ظهور المهدي ، منها : نهضة اليماني، مثل هذه النهضات لا يكن أن تبتدئ بساكن ، ولا تظهر دون أرضيّة مسبقة.بعض الروايات تتحدّث عن قيام دولة أهل الحق التي تستمر حتى ظهور المهدي ،.. حتى أنّ بعض العلماء أحسنوا الظنّ بدولة بعض السلالات الحاكمة ، فظنّوها أنّها
الدولة التي ستحكم حتى ظهور المهدي.
هذا الظن ـ وإن كان ينطلق من سذاجة في فهم الوقائع السياسيّة والاجتماعيّة ـ يدلّ على استنباط هؤلاء العلماء من الروايات والأخبار المتعلّقة بظهور المهدي ، ما يشير إلى أنّ الظهور لا يقترن بفناء الجناح العدل والتقوى والصلاح على جناح الظلم والتحلّل والفساد.
الآيات والروايات المرتبطة بظهور المهدي المنتظر ، تدلّ على أنّ ظهوره يشلّ آخر حلقات الصراع الطويل بين أنصار الحق وأنصار الباطل منذ بدء الخليقة.(المهدي المنتظر تجسيد لأهداف الأنبياء والصالحين والمجاهدين على طريق الحق).
نهضة المهدي
في ضوء فلسفة التاريخ
الشيخ مرتضى المطهري