بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
ينبغي للمؤمنين أن يتحلوا بالصبر والقناعة عند ابتلائهم بالفقر المادي، لكي يكون ذلك سبباً في غناه المعنوي ورقيه الروحاني. والمقصود بالصبر هنا هو تحمل صعاب شظف العيش وفقدان امكانات التمتع بالمتع المادية التي يتمتع بها الأغنياء. ومن لوازم هذا الصبر عدم السماح لصعوبات شظف العيش بأن توقعه الجزع واضطراب معيشته وحياته المعنوية، أو الافراط في الكسب المادي وبما يؤدي الى الاضرار بواجباته الأخرى العبادية والاجتماعية.
أما بالنسبة للقناعة،فالمراد منها هو القبول بالامكانات التي يمتلكها وحسن ادارة معيشته بها بما لا يؤدي الى الاضطراب الذي أشرنا اليه آنفاً؛ ودون أن يقع في آفة الحرص وطلب ما لم يقدر له من الرزق واستنزاف طاقاته في ذلك.
والذي يعين المؤمن على العمل بهذه الوصية المهدوية والتحلي بالصبر والقناعة اذا اصابه الفقر، هو استذكار لطف الله عزوجل ورحمته به وأنه هو الغني المطلق الذي لا تنفد خزائنه، لذلك فانه تبارك وتعالى ان ابتلى بعض عباده بالفقر فانما ذلك لان فيه صلاحهم وتقوية شخصيتهم الايمانية واعانتهم على بلوغ مراتب من الكمال لا يمكنهم بلوغها بغير التحلي بفضيلة الصبر والقناعة على مصاعب الفقر. كما أن الله سبحانه وتعالى انما يبتلي المؤمن على قدره كما صرحت بذلك كثيرٌ من النصوص الشريفة، ولذلك فانه جل جلاله لا يبتلي عباده بما لا يقدرون على تحمله من مصاعب الفقر.
وهذه الحقيقة العقائدية تعني أن الله تبارك وتعالى يبتلي عباده بمرتبة من الفقر تحقق لهم ثماره الايجابية دون أن تسلبهم القدرة على التحلي بفضيلة الصبر والقناعة على مصاعب هذا الفقر. أيها الاخوة والاخوات، كما أن مما يعين المؤمن على العمل بهذه الوصية المهدوية بالتحلي بالصبر والقناعة على مصاعب الفقر التدبر بما ورد في سير الانبياء لاسيما خاتمهم حبيبنا الهادي المختار –صلوات الله عليه وآله وعليهم أجمعين-. فالروايات الشريفة تصرح بان الله قد ابتلى أنبياءه واولياءه –عليهم السلام- بالفقر مع كرامتهم عليه وسمو منزلتهم عنده، وفي ذلك اشارة مهمة الى عظيم آثار وبركات ذلك في السمو المعنوي والتعالي الروحي. بل وتصرح كثيرٌ من النصوص الشرعية بأن بعض الأنبياء –عليهم السلام- ولاسيما سيدهم المصطفى –صلى الله عليه وآله- قد اختاروا الفقر المادي وطلبوه من الله عزوجل لعظيم بركته وثوابه، فمثلاً روي في كتاب الاحتجاج وغيره عن الامام علي امير المؤمنين –عليه السلام- انه قال ضمن حديث طويل عن الخصائص المحمدية: "ومحمد –صلى الله عليه وآله- أعطي ما هو أفضل من هذا، انه هبط اليه ملك لم يهبط الى الارض قبله وهو ميكائيل، فقال له: يا محمد عش ملكاً منعماً وهذه مفاتيح خزائن الارض معك.. ولا ينقص ذلك مما آدخر لك في الآخرة شيء... فقال –صلى الله عليه وآله-: بل اعيش نبياً عبداً آكل يوماً ولا آكل يومين والحق بأخواني الانبياء... فزاده الله تبارك وتعالى الكوثر وأعطاه الشفاعة وذلك أعظم من ملك الدنيا من أولها الى آخرها سبعين مرة ))