بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
من الغريب حقّاً والملفت للنظر طريقة مخاطبة الله تعالى الشريحةَ الواسعةَ مِمَّن آمن به واعترف بألوهيته وأقرَّ بعبوديته. فإنّ الحقّ تعالى اسمه قد صدّر بما يربط ويجمع بين الله والمؤمنين، وبما يُمَتِّن العلاقة بينهما، فخاطبهم بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ﴾، مقدّماً في خطابه محاسن العباد، وحسناتِ أفعالهم، ومعترفاً بالقَدْر الَّذِي أَتَوا به اتّجاه خالقهم ومربِّيهم من الإيمانِ به عزّ اسمه.
ثُمّ عقَّب بعد هذا بذكر ما قاموا به مِمَّا كان موضعَ سخطه، ومحطّ غضبه، ومعرضَ توعّده وتهديده مستنكراً عليهم: ﴿أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾، فإنَّه ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾, فهو من الأعمال الممقوتة والمبغوضة لديه تعالى بغضاً شديداً، وفاعله مستحقُّ جنهّم.
ولعلّ السرّ في تقديم المحاسن على قبائح الأفعال أمران:
الأوّل: إِنَّ القرآن الكريم لمّا كان كتابَ هداية وتربية يعمل على تغذية الروح وتربيتها كما يعمل على تغذية الفكر والعقل، هَدَفَ من خلال هذا التوبيخ المغلّظ أنْ يقول لهؤلاء المؤمنين: يا أيُّها الَّذِين يُفترض أَنَّكم آمنتم بي!
لا تتعرّضوا لسخطي وغضبي...لا تتشبّهوا بأهل النفاق الَّذِين يقولون ما لا يفعلون, فإنّ لأهل الإيمان سلوكاً وعلامات، ولأهل النفاق سلوكاً وعلامات، وإنّما يستدلّ على الصالحين بعلاماتهم وسلوكهم، وعلى المنافقين بعلاماتهم وسلكهم، والتي منها: أنْ يقولوا ما لا يفعلون.
ناداهم بوصف الإيمان تعريضاً بأنَّ الإيمان من شأنه أنْ يردع المؤمن عن أنْ يخالفَ فعلُهُ قولَه فيما وعد به من خير وإحسان والتزام تجاه الفرد أو المجتمع.الثاني: الإشارة إِلَى معنى خفيّ ولطيف, وذلك أَنَّ الإنسان في مسيرته في الحياة ربما يتعثّر، أو يخطئ هنا أو هناك، بل ربّما يتعمّد في بعض الأحيان.
-
وكلّ ذلك لا ينبغي أنْ يجعلنا نتناسى الماضي، وما قدّمه من خير وعمل صالح، بل لا بدّ من تذكيره بماضيه الإيماني، والصلاح الَّذِي كان عليه قبل مساوئ الأخلاق وذميم الصفات, أيْ على قاعدة: (إنْ كان ولا بدّ، فاسقه ماءً ثمّ اذبحه).