صفحة (المجتمع المدني وحقوق الإنسان) / المحامي عبير الهنداوي:-
إن ظهور الدولة القومية الحديثة منذ منتصف القرن التاسع عشر قد أفرز لنا الكثير من الظواهر الجديدة في الحياة السياسية كما افرز لنا الكثير من الأمور القانونية والإدارية التي تتطلبها إستمرارية وديمومة هذه الدولة القومية.واحدة من هذه الأمور التي برزت لنا مع الدولة القومية هي (حالة الطوارئ) والتي إشتقت اساساً من نظرية قائمة تسمى بـ (نظرية الظروف الإستثنائية) وتدرس ضمن مفردات القانون الإداري في كليات القانون في العصر الحديث.
وفي هذا المجال لا بد أن نبين إبتداءاً إنه يوجد هنالك الكثير من اللبس تجاه حالة الطوارئ وهذا يعود الى اسباب عديدة تتمثل في ما يلي:
1- إن إعلان حالة الطوارئ يعتبر إحدى العلامات المظلمة التي تشوه مبدأ المشروعية أي نشوء قانونية الدولة.
2- إن حالة الطوارئ تعتبر قيداً من القيود التي ترد على مبدأ الفصل ما بين السلطات.
3- إن أهم سمة من سمات الدولة الحديثة هو الإتجاه المتزايد نحو مزيد من الحريات العامة وحقوق الإنسان وبأوسع اشكالها (حرية الصحافة، حرية الإضراب، حرية التظاهر ...إلخ) وهذا بالتأكيد يتعارض مع حالة الطوارئ.
4- إنتهاك الضمانات القانونية التي يستطيع بها الإنسان مواجهة تعسف الإدارة وبالذات ضمانات التقاضي وإستغلال القضاء.
5- السماح للسلطة التنفيذية على الجموح أكثر وأكثر نحو الإستبداد وفق أعذار واسباب مختلفة.
6- توسيع سلطات السلطة التنفيذية والتجاوز على الحدود التي يضعها لها الدستور والقوانين المعمول بها في الدولة.
7- إستمرارية حالة الطوارئ رغم إنتفاء الحاجة الى وجودها بسبب زوال الحالة التي أعلنت من أجلها وخصوصاً في ظل الأنظمة الشمولية بحيث تصبح هي الحالة الدائمة والمستمرة وليست حالة الطوارئ.
8- إستغلال حالة الطوارئ كستار لتبرير أعمال السلطة التنفيذية المخالفة للقانون.
9- إبتعاد السلطة التنفيذية عن الأساليب القانونية التي يحددها الدستور والقانون في إعلان حالة الطوارئ من خلال:
أ- المنفذ الإداري: ويبدو هذا واضحاً من خلال الكيفية التي تنفذ بها الإدارة التشريعات الآنية والمتسارعة التي تصدر خلال حالة الطوارئ.
ب- المنفذ الجزائي : وهذا يتمثل من خلال التقاضي والمحاكمات والأحكام التي تخالف القواعد العامة في المحاكمات الإعتيادية.
ج- المنفذ المدني : وهذا واضح من خلال الأضرار الكبيرة التي تصيب الأفراد جراء تنفيذ إجراءات إستثنائية غير معتاد عليها (منع التجول مثلاً).
د- المنفذ الدستوري: وهذا يتمثل بشكل جلي من خلال التجاوز الذي يحصل على التطبيقات الدستورية في الحالات الطبيعية.
ولكن على الرغم من كل هذه السلبيات والضنون التي تثيرها حالة الطوارئ إلا إن الكثير من الفقهاء يؤكدون على أهميتها وضرورتها ويبررون ذلك بما يلي:
1- إن حالة الطوارئ في ظل الإنظمة الديمقراطية تهدف الى دفع الأذى والظلم عن الناس.
2- الدفاع عن سيادة البلد وكرامة الوطن.
3- تزايد أهميتها في العصر الحديث بسبب الصراعات السياسية والإقتصادية والعسكرية.
4- كثرة الكوارث الطبيعية التي تحدث في العالم (هزات أرضية، أعاصير، زيادة المجاعة ....إلخ).
5- إعتبار حالة الطوارئ ضمانة من ضمانات إستمرار النظام الديمقراطي من خلال الرد السريع على أي شكل من اشكال التجاوز على الأركان العامة للديمقراطية.
بعد هذه المقدمة لا بد أن نبين بأن حالة الطوارئ تأخذ مسميات متعددة في البلدان مثل:
1- الأحكام العرفية.
2- السلامة الوطنية.
3- الأمن العام.
4- سلامة الدولة.
5- قانون التعبئة.
6- قانون الدفاع.
7- تدابير حفظ الأمن والنظام.
8- قانون الإستعانة الإضطرارية.
وبعد كل هذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه ما هي حالة الطوارئ؟ يعرفها الأستاذ المرحوم حسين جميل من خلال تعريفه للأحكام العرفية كالآتي: "تقوية السلطة التنفيذية بمنحها سلطات خاصة بعضها من إختصاص السلطة التشريعية وبعضها من إختصاص السلطة القضائية وتحريرها من بعض القيود التي وضعت لتنظيم الحالات الإعتيادية، وتوقيف بعض الحريات، الى الحد اللازم لمجابهة تلك الحالة الإستثنائية الطارئة".
ومن الجدير بالإشارة هنا إن أول ظهور لحالة الطوارئ في الدساتير العراقية كانت بإسم الأحكام العرفية في القانون الاساسي أو دستور عام 1925 في (فق 9 من م 26) و (م 120). وفي 1/6/1940 سميت بإسم مرسوم صيانة الأمن العام وسلامة الدولة أما في عام 1965 فقد سميت بإسم السلامة الوطنية. "وقد إعلنت الأحكام العرفية لأول مرة في العراق في 11/نيسان/1935 في مدينة الرميثة وكانت تابعة آنذاك الى لواء الديوانية بموجب الإرادة الملكية (رقم 169)".
وبعد ذلك أعلنت الأحكام العرفية في اوقات مختلفة وكالآتي:
1- في سوق الشيوخ بتاريخ 25/5/1935 لمدة شهرين ونصف.
2- في سنجار في 12/10/1935 لمدة شهر.
3- وفي منطقة مزوري وبارزان وسركة سور في 15/8/1935 ولمدة شهرين ونصف.
4- في الدغارة في 5/5/1936 لمدة ثلاثة اشهر.
5- في معسكر الرشيد في 5/3/1939 ودامت خمسة عشر شهراً.
6- في الموصل في 4/4/1939 لمدة أربعة اشهر بسبب مقتل القنصل البريطاني بعد مقتل الملك غازي.
7- في بغداد في 3/6/1941 لتشمل كل العراق فيما بعد ودامت أربعة سنوات وثمانية شهور.
8- ثم أعلنت في 14/5/1948 بسبب حرب فلسطين وإنتهت في 17/12/1949 وأعيد إعلانها في 23/11/1952 بسبب وثبة تشرين وإنتهت في 5/10/1953.
9- في البصرة في 15/12/1953 أعلنت بسبب إضراب عمال شركة النفط ودامت 46 يوماً.
10- أعلنت في 1/6/1956 بسبب العدوان الثلاثي على مصر ولمدة سبعة شهور. "نقلاً عن كتاب أحكام الظروف الإستثنائية في التشريع العراقي للاستاذ المرحوم سعدون عنتر الجنابي ماجستير ص 131 – 132".
وهكذا فإن إعلان حالة الطوارئ أو الأحكام العرفية كما كانت تسمى قد بدأت مع قيام النظام الملكي وأعلنت في كل مناطق العراق وبدون إستثناء (العربية، الكردية، الآشورية ...إلخ) ولمختلف شرائح المجتمع. أما القول الذي يحلو الى البعض بأن حالة الطوارئ بدأت مع ثورة 14/تموز/1958 وحتى 9/4/2003 فهو قول غير صحيح إستناداً الى الأسماء والأرقام التي قدمناها فهذه الصفحة السوداء بدأت مع قيام نظام الإنتداب البريطاني ولحد الآن.
ولهذه الأسباب وللممارسات الخاطئة لحالة الطوارئ فإن الأحكام العرفية عل الرغم من كونها مصطلحاً قانونياً يعالج حالات إستثنائية خارجة عن إرادة الدولة فقدأصبح مصطلحاً غير مقبول لأنه قد إقترن بالإعتقالات والتعذيب والقتل والإعدام وسيطرة العسكر وغياب القانون وكل ما يسيء الى أبسط مرتكزات الدولة القانونية ألا وهو سيادة القانون والى إنتهاك ابسط حقوق الإنسان ممثلاً في القاعدة القانونية التي تقول: ( المتهم بريء حتى تثبت إدانته).
والسؤال الثاني الذي يطرح هنا هو هل أن حالة الطوارئ ضرورية الى الحد الذي وصلت إليه بحيث يتعذر إصلاح الأمور إلا من خلال هذه الحالة؟
للإجابة على هذا السؤال يجب أن نعرف إبتداءاً ما هي شروط إعلان الحالة الإستثنائية أو حالة الطوارئ او الأحكام العرفية؟ إن الشروط تكمن في توفر الحالات الثلاث التالية:
1- قيام ظروف إستثنائية .
2- أن يكون هدف الإدارة أو السلطة هو تحقيق المصلحة العامة.
3- تعذر مواجهة الظرف الإستثنائي بالوسائل الإعتيادية.
وهنا تكمن الخطورة إذ أن إستعمال الوسائل غير الإعتيادية معناه سيادة لغة العسكريتاريا والإبتعاد عن الأساليب القانونية خصوصاً في ظل الأنظمة التي يكون دور القانون فيها ضعيفاً. إن التجربة التاريخية الإستبدادية التي مرت علينا تقول بأن تجاوزاً كبيراً يحصل على عموم المجتمع في حالة إعلان الطوارئ والدولة تعطي لنفسها مبررات لتمرر رغباتها وأهدافها اللا مشروعة.
ولهذا فإن إعلان هذه الحالة يجب أن يتم وفق القانون والقرارات التي تتخذ يجب أن تكون وفق القانون ايضاً لا أن تنتهك حقوق الإنسان طولاً وعرضاً بإسم حالة الطوارئ وهذا ما حدث خلال كل السنوات السابقة والتي وصلت الى حد (الإعدام والشوي والكي بالنار والإذابة بالأسيد وجعل الإنسان وجبة طعام للحيوانات المفترسة ...إلخ).
إن التجربة الفرنسية في إعلان حالة الطوارئ التي حدثت في السنوات الأخيرة جراء أعمال الشغب التي جرت في جنوب فرنسا تعطينا مثالاً واضحاً على التأني والتريث حتى النفس الأخير قبل إعلان حالة الطوارئ.
أخيراً نقول إن الإيمان بالإنسان وحقوقه وإتاحة الفرصة له للمشاركة الفعالة في الحياة وسيادة القانون هو البديل الصحيح لحالة الطوارئ، أما أن نضع الإنسان هذا بين (المطرقة والسندان من جانب) أو (بين فكي الأسد والنمر من جانب) وحالة الطوارئ من جانب آخر فهذا الكلام قد ولى الى غير رجعة لأن هذا الزمان هو غير ذاك الزمان ولأن هذا العصر هو عصر الإنسان وسيادة حقوق الإنسان.