لا تخرج كلمةٌ من فم الإنسان إلا وسجَّلتها الملائكة، فقد قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]، وكما أن الكلمات القبيحة تُكْتَب في السيئات فكذلك الكلمات الطيبة تُكْتَب في الحسنات؛ بل اعتَبَر الرسولُ صلى الله عليه وسلم هذه الكلمات الطيبة صدقات؛ فقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ»، وروى البخاري عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه، قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّارَ، فَتَعَوَّذَ مِنْهَا وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ النَّارَ فَتَعَوَّذَ مِنْهَا وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ -قَالَ شُعْبَةُ: أَمَّا مَرَّتَيْنِ فَلاَ أَشُكُّ- ثُمَّ قَالَ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ».

وقد يكون للكلمة الطيبة آثارٌ لا نتخيَّلها؛ فقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ».

وذَكَرَ اللهُ عز وجل بعض مجالات الكلمة الطيبة حين قال: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 114]، فالطريق مفتوح بهذه الكلمات إلى الجنة، وقد ترك لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الاختيار بين أمرين لا ثالث لهما؛ فقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ..».

فلتكن هذه هي حياتنا: كلمةٌ طيبةٌ، أو الصمت!

ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].

المصدر : كتاب " إحياء354 " للدكتور راغب السرجاني