الكالڤينيّة (والمعروفة أيضاً باللاهوت المصلح) هي مذهب مسيحي بروتستانتي يعزى تأسيسه للمصلح الفرنسي جون كالفن، وكان هذا الأخير قد وضع بين عامي 1536م و 1559م مؤلفه (مبادئ الإيمان المسيحي) والذي يعتبره الكثيرين من أهم ما كتب في الحركة البروتستانتية.
خلفية فكرية:.
سار كالفن على خطى بولس الرسول والقديس أوغسطين في التأكيد على ما اعتبره سمو الله وسيادته على كل شيء، وتتقاطع أفكاره مع أفكار مارتن لوثر في أن تبرير الخطاة والخلاص يحصل عن طريق الإيمان فقط وليس بالأعمال. ولكن كالفن كان يعتقد بالاختيار المسبق، أي أن الإنسان بعد أن يخطئ لا يستطيع أن يمتلك الإرادة الحرة للتوبة، أما كل الذين سينالون الخلاص فأن الله كان قد سبق واختارهم قبل إنشاء العالم.
اعتبر كالفن الكتاب المقدس بأنه المرجعية الأولى ذات الشرعية والسلطة والتي يجب أن تخضع لها السلطات الأرضية، وقد نجح من خلال هذا الفكر بتشكيل حكومة ثيوقراطية في جنيف عرفت بنظامها المتشدد.
الانـتـشـار:.
انتشرت الكالفينية في القرن السابع عشر في جميع أنحاء أوروبا، فامتدت إلى إسكتلندا وهولندا وأجزاء من ألمانيا وفرنسا وهنغاريا ثم ترانسلفانيا المستقلة وبولندا.
كما أن الكالفينية انتشرت أيضا بين المستوطنين البيض في أمريكا الشمالية، وكان معظم سكان نيو أمستردام (نيويورك) من الكالفينيين الهولنديين. وكانت هذه الفئة الأخيرة من أوائل المستعمرين البيض الذين نجحوا بإنشاء مستوطنات في جنوب أفريقيا والذين عرفوا لاحقا بالبوير Boers أو الأفريكان Afrikaners.
خرج عن المذهب الكالفيني مذاهب وكنائس عدة من أبرزها المذهب الطهوري، والذي أسسه الإنكليز الخارجين عن الكنيسة الأنغليكانية والذين استوطنوا في القارة الأمريكية.
استنادا لرأي ماكس فيبر فقد لعبت الكالفينية دورا هاماً في ظهور العقلية الرأسمالية في أوروبا، وذلك لقولها بأن النجاح على الصعيد المادي هو دلالة على نعمة إلهية واختيار مسبق للخلاص.
آراء رئـيـسيـة:.
تتلخص تعاليم كالفن في خمس نقاط وضعتها الكنيسة الهولندية بعد نصف قرن من موت كالفن:
* الفساد التام (أو العجز التام) يشير إلى سقوط البشر في الإثم، فيولد كل شخص مستعبداً تحت الخطيئة، بحيث أن الناس لا يستطيعون أن يحبوا الله بكل قلوبهم وعقولهم وقوتهم، بل يفضلون أن يلبوا مصالحهم الخاصة على جيرانهم ويرفضون حكم الله. وبالتالي، يعجزون أن يطيعوا الله ويخلصوا، فليس عندهم الإرادة ولا القدرة. وفي هذا السياق، 'التام' يشير إلى وجود الإثم في كل جزء من الإنسان، وليس أن الإنسان شرير إلى أقصى حد
* الاختيار غير المشروط يشير إلى عقيدة أن الله سبق وعين من الأزل كل الذين سيخلصون، وليس على أساس أي جدارة فيهم. انما يستند إلى رحمة الله فقط. ويرى الكالفنيون الدعم لهذه النقطة في آيات مثل افسس 2 : 8 - 9: "فإنكم بالنعمة مخلصون، بالإيمان، وهذا ليس منكم. إنه هبة من الله، لا على أساس الأعمال، حتى لا يتفاخر أحد،" وروما 9 : 16: "لا يتعلق الأمر برغبة الإنسان ولا بسعيه، وإنما برحمة الله فقط." ولكن نقاد الكالفينية يشيرون إلى آيات مثل روما 2 "فإنه [الله] سيجازي كل إنسان بحسب اعماله." ويقولون إن رحمة الله موجودة ومحبته لكل البشر، وحتى الضال منهم، لأن عدل الله يحتم ذلك، ولكن لو رفض الإنسان كل هذا الحب وسار قي الخطية ولم يقدم عنها توبة، فلابد أنه سيجازى. وبإختصار، يتعلق الأمر بما إذا كانت الأعمال الصالحة شرطاً للخلاص أو دليلاً عليه.
* التكفير المحدود يشير إلى موت يسوع الاستبدالي الذي كان يهدف إلى خلاص أشخاص معينين، وليس كل العالم. ويدعم الكالفينيون هذه النقطة بالإشارة إلى آيات مثل يوحنا 17 : 9 حيث يصلي يسوع: "لست أصلي الآن من أجل العالم، بل من أجل الذين وهبتهم لي، لأنهم لك." ومن جهة أخرى، يشير نقاد الكالفينية إلى آيات مثل يوحنا 3 : 16 التي تقول: "هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية." فيدور الخلاف حول معنى العالم وما إذا صلب المسيح من أجل العالم كله أو المؤمنين في العالم. هذه العقيدة طبيعية سيادة الله في المفهوم الكالفيني. فلو عوقب يسوع عوضاً عن الخطاة ومع ذلك تمت إدانتهم، لكان ذلك سيكون من غير العادل. وبالتالي، من الضروري أن يخلص كل من كفر يسوع عن خطاياه.
* النعمة الفعالة (أو النعمة غير القابلة للمقاومة) تشير إلى قوة الله في تطبيق نعمته على الناس الذين اختارهم بشكل فعال. وبالتالي، كل من اختاره الله أن يخلص، فسيخلص حتماً.
* مثابرة القديسين (أو الحفاظ على القديسين أو الأمن الأبدي) تشير إلى أن المؤمنين سيستمرون في الإيمان حتى النهاية، وكل من آمن وإرتد، فلم يكن مؤمناً حقيقياً في البادئ
أن شاء الله يعجبكم الموضوع