بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته


أن التذكّر من نتائج التفكّر، ولهذا يعتبرون مقام التفكر مقدماً على مقام التذكر
.
يقول العارف عبد الله الأنصاري"التـَّذَكُّر فَــوْقَ التَّفَكُرِ، فَإِنَّ التَّفَكُّر طَلَبٌ وَالتَّـذَكُّر وُجُودٌ" إذ أن التفكر طلب للمحبوب والتذكر حصول للمطلوب. فما دام الإنسان يطلب ويبحث يكون محجوباً عن مطلوبه وعندما يصل إلى محبوبة يتحرّر من عناء البحث والتفتيش.

إن قوّة التذكّر وكماله، يرتبطان بقوة التفكر وكماله. والتفكر الذي يفضي إلى التذكر التام للمعبود، لا يساوي الأعمال الأخرى ولا يقاس في الفضيلة بها. ففي الأحاديث الشريفة أن تفكّر ساعة أفضل من عبادة سنة واحدة أو ستين عاماً أو سبعين عاماً. ومن الواضح أن الغاية من العبادات وثمرتها المهمة، حصول المعرفة والتذكر للمعبود الحق. وستُحصل على هذه الخاصيّة من التفكّر الصحيح، أحسن من الحصول عليها عن طريق العبادة.
إذ لعلّ تفكر ساعة واحدة، يفتح أبواباً من المعارف على السالك، لا تفتحها عبادة سبعين سنة، أو إن في تفكر ساعة واحدة تذكّر للإنسان بحبيبه سبحانه، ما لا يحصل من المشاق والمساعي المجهدة فترة سنين عديدة مثل هذا التذكّر.
واعلم أيها العزيز أن تذكر الحبيب، والتفكر فيه دائماً، يثمر نتائج كثيرة لكافة الطبقات.
أما الكُمّلون والأولياء والعرفاء فإن تذكر الحبيب في نفسه، غاية آمالهم وفي ظلّه يبلغون جمال حبيبهم. هَنِيئاً لَهُمْ.

وأما عموم الناس والمتوسطين منهم، فهو أفضل مصلح للأخلاق والسلوك وللظاهر والباطن.

إذا عاش الإنسان مع الحق سبحانه وتعالى في جميع الأحوال وكافة المستجدات، وشاهد نفسه أمام الذات المقدس عزّ شأنه، لأحجم عن الأمور التي تسخط الله، وردع نفسه عن الطغيان. إن المشاكل والمصائب المنبثقة من النفس الأمارة والشيطان الرجيم قد نشأت عن الغفلة عن ذكر الحق وعذابه وعقابه. إن الغفلة عن الحق تضاعف كدورة القلب، وتمكّن النفس والشيطان من التحكّم في الإنسان وتسبّب زيادة المفاسد على مرّ الأيام.
وأن التذكر للحق جلّ شأنه يبعث على صفاء النفس وصقلها، ويجعلها مظهراً للمحبوب ويوجب صفاء الروح ونقائها، ويحرّر الإنسان من أغلال الأسـر، ويُخرج حب الدنيا الذي هو رأس الخطايا ومصدر السيئات من القلب، ويجعل الهموم هماً واحداً، والقلب نظيفاً وطاهراً لورود صاحبه ـ الحق جلّ وعلا ـ .
فيا أيها العزيز مهما تتحمل من الصعاب في سبيل الذكر والتذكر للحبيب ـ الحق سبحانه ـ كان ذلك قليلاً. روّض قلبك على التذكر للمحبوب، لعل الله يجعل صورة القلب، صورة لذكر الحق، وكلمة لا إله إلا الله الطيبة، الصورة النهائية والكمال الأقصى للنفس، فإنه لا زاد أفضل منه للسلوك إلى الله، ولا مصلح أحسن منه لعيوب النفس، ولا رفيق أجدى منه في المعارف الإلهية.
فإذا كنت طالباً للكمالات الصورية والمعنوية، وسالكاً لطريق الآخرة ومهاجراً ومسافراً إلى الله، اجعل قلبك معتاداً على تذكّر المحبوب، واعجن قلبك مع ذكر الحق تبارك وتعالى.