يتحرَّج بعض المسلمين من قصر الصلاة في السفر؛ وذلك بدعوى أن السفر صار سهلًا في زماننا، أو بدعوى أن السفر قد يكون للترفيه وليس لأمر مهمٍّ أو ديني، والواقع أن الأمر ليس كما يراه هؤلاء، فقصر الصلاة في السفر سُنَّة نبوية بصرف النظر عن راحة السفر أو هدفه، وليس أدلُّ على ذلك من حوار يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ مع عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، فقد روى مسلم عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ رضي الله عنه، قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ. فَقَالَ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ».

فبعد هذا التبيين من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبقى وجهٌ للجدال في المسألة، فمَنْ هذا الذي لا يقبل صدقةً من الله عز وجل؟! خاصةً أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحرص على قصر صلاته في السفر، فقد روى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَصَلَّى العَصْرَ بِذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ». وذو الحليفة على بُعد أقل من خمسة عشر كيلومترًا من المدينة، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم مسافرًا إلى مكة، فمعنى هذا أنه بمجرَّد خروج الرسول صلى الله عليه وسلم للسفر شَرَعَ في القصر مباشرة دلالة على حرصه عليه؛ بل أكثر من ذلك روى البخاري عن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، يَقُولُ: «صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ لاَ يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ».

فهذا النصُّ دلالة على "دوام" فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه السُّنّة، فلتكن هذه هي سُنَّتنا في سفرنا.

ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].

المصدر : كتاب " إحياء354 " للدكتور راغب السرجاني