لا يمكن الحديث عن رواية فوضى الحواس دون الإشارة إلى الرواية السابقة لها للروائيّة الجزائريّة أحلام مستغانمي ، حيث تعد تلك الرواية الجزء الأوّل لفوضى الحواس ، و هي أوّل عمل روائي يحمل توقيع أحلام مستغانمي و اسمها ذاكرة الجسد.تلك الرواية الآسرة التي ظلّت من أكثر الكتب مبيعاً في الوطن العربي منذ صدورها عام ألف و تسعمائة و ثلاثة و تسعون ، وعلى المستوى النّقدي أيضاً تم الإحتفاء بها . قال الشاعر العربي الكبير نزار قباني عن تلك الرواية أنه تمنى لو أنه كان من كتبها ، و قد حازت ذاكرة الجسد على جائزة نجيب محفوظ سنة ألف و تسعمائة و سبعة و تسعون ، بالإضافة إلى جوائز أخرى .و تحكي ذاكرة الجسد عن قصّة حب بين شاب جزائري يعيش في فرنسا و يمتهن الرّسم ، و بين فتاة تدعى " حياة " . و تسير الرواية على خطين متوازيين ، هما قصة الحب بين " خالد " و " حياة " ، و تاريخ الجزائر والوطن العربي من عيون مغتربة ، و تحمل الرواية كم كبير من مشاعر الحنين و الأسى الدّفين على الوطن البعيد في قالب روائي شديد الحرفيّة و لغة عربيّة تحمل قدراً كبيراً من الجّمال لدرجة تأسر لب محبّي اللّغة العربيّة .أمّا فوضى الحواس فهي تعد إستمرار للرّواية الأولى من حيث التعمّق في شعريّة اللّغة ، وتدور الرواية حول الكتابة عن الكتابة ذاتها بشكل كبير ، حيث تقوم بطلة " ذاكرة الجسد " بكتابة رواية و تعيش قصّة حب خياليّة مع بطل روايتها التي تكتبها عن فترة تسعينيات القرن الماضي ، ولا تنسى الكاتبة التناص مع الأحداث التي كانت تمر بها الجزائر في تلك الفترة على خلفيّة مشاكلها السريّة مع زوجها الذي كان يعمل بالجيش و أخيها ذو التوجّه الإسلامي ، و كانت الجزائر تقع بين الإسلاميين و العسكريين أيضاً في تلك الفترة . و تسير الرواية على هذا النمط في الكتابة على خطّين متوازيين كما فعلت في الجزء الأوّل ، إلى أن تأخد منحى مختلف و فانتازي ، حيث تقوم الكاتبة بمواعدة بطل روايتها الخيالي الذي كتبته في تداخل بين الواقع والخيال حيث تلتقي امرأة برجل في خيالها رسمته بالكلمات على الورق في منطقة رماديّة من الواقع ، و يكتب الرجل الخيالي مع الكاتبة روايتهما معاً في النهاية تضع القارئ في دهشة عدم الخروج من الحالة الفانتازية التي صنعتها الكاتبة بمهارة شديدة و إتقان .