بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حب الخير من الأمور المحببة لدى نفس المؤمن سواء لنفسه أولغيره من المؤمنين وهو طريق ومطلب ينبغي الالتفات اليه في حياة البشر وهو سعادة لمن يوفق لاستخدامه بما يوفق رضا ربه عز وجل
ورد في القرآن الكريم في سورة العاديات قوله عز وجل:
(وإنه لحب الخير لشديد)
ورد في فضيلة هذه السّورة عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «من قرأها أعطي من الأجر عشر حسنات، بعدد من بات بالمزدلفة، وشهد جمعاً».(1)
وعن الإِمام جعفر بن محمّد الصادق(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «من قرأ والعاديات وأدمن قراءتها بعثه الله مع أمير المؤمنين يوم القيامة خاصّة، وكان في حجره ورفقائه».(2)
ومن الواضح أن كل هذه الفضيلة إنمّا هي نصيب من جعل السّورة منهاجاً لحياته وآمن بكل محتواها وعمل بها
قوله تعالى: ( وانه لحب الخير لشديد)
(أي إنه شديد الحّب للمال والمتاع.)(3)
وهذا الإِنشداد المفرط بالمال والثروة هو سبب البخل والكفران كما قال عز وجل في نفس السورة: (ان الإنسان لربه لكنود)
و«كنود» اسم للأرض التي لا تنبت، وتطلق على الإِنسان الكفور والبخيل أيضاً
والمفسّرون ذكروا لكلمة «كنود» معاني كثيرة، وهذه المعاني مصاديق وتفريعات لمعنى الكفران والبخل
يذكر صاحب تفسير من هدي القرآن أعلى الله مقامه :وإذا قلنا بأن لكلمة ( كنود ) معنى واحدا ، فليكن البخيل الذي يحس دائما بأن حقه أعظم مما أوتي فلا يشكر نعم الله عليه بالانفاق ،
و قال الشاعر :
دع البخلاء ان شمخوا و صدوا و ذكرى بخل غانية كنود
و هكذا يكون معنى " لربه " لفضل ربه و نعمه .
و الكفران و الجحود و البخل و سائر الصفات السيئة التي تجمعها كلمة كنود حقائق يعترف الانسان بوجودها في نفسه ، فعليه مسؤولية تخليص نفسه منها ، ولا يمكنه التملص عن المسؤولية بأنه كان جاهلا . انتهى
الإِنسان البعيد عن التربية الصحيحة... والذي لم تشرق في قلبه أنوار المعارف الإِلهية وتعاليم الأنبياء... الإِنسان الخاضع لأهوائه وشهواته الجامحة هو حتماً كفور بالنعمة وبخيل... إنّه لكنود.
وكلمة (الخير) لها معنى واسع يشمل كل نعمة. كثير من النعم مثل العلم والمعرفة والتقوى والجنّة والسعادة ليست مذمومة، ولا ينكر عليها القرآن. لذلك فسر الخير في الآية بأنه (المال). يدل على ذلك قرينة المقام والآية السابقة، وآيات أخرى كقوله سبحانه: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين).
إطلاق «الخير» على المال في الآية يعود إلى أن المال في حد ذاته شيء حسن، ويستطيع أن يكون وسيلة لأنواع الخيرات. لكن الإِنسان الكنود يصرفه عن هدفه الأصلي، وينفقه في طريق ذاتياته وأهوائه.
وردعن صاحب تفسير الميزان قدس سره قوله: ولا يبعد أن يكون المراد بالخير مطلقه ويكون المراد أن حب الخير فطري للإِنسان ثم إنه يرى عرض الدنيا وزينتها خيراً فتنجذب إليه نفسه وينسيه ذلك ربه أن يشكره.انتهى
وورد عن صاحب تفسير من هدي القرآن أعلى الله مقامه أن حب الخير بذاته فضيلة ، و لكنه يصبح رذيلة إذا اشتد في الانسان ، و طغى على حبه لله و للرسالة ، و فضله الانسان على الآخرة التي هي الخير حقا .
ولكن أي خير هذا الذي يهدده الموت في أية لحظة ، قال الشاعر :
أرى الموت يعتام الكرام و يصطفي *عقيلة مال الفاحش المتشدد
و لا يتخلص الانسان من حب الدنيا إلا بذكر الآخرة فمن اشتاق الى الجنة سلا عن شهوات الدنيا ، و من اشفق من النار هانت عليه مصيبات الحياة .انتهى
وطبيعي أن المال الحلال اذا وضع في مكانه وصرف في طريقه المعتمد يعد نعمة عظيمة شكر بها المخلوق عز وجل كما قال عز وجل : (وان شكرتم لأزيدنكم)
وكما قال الإمام علي عليه السلام : (أفضل المال ما قُضيت به الحقوق )