درر العراق

بركان حبك ياعلي · 15/May/2015

لكل طائفة او قومية او بلد معين .. تقاليد خاصة في وداع الميت او طريقة عزائه والبكاء عليه .. وتختلف طريقة العزاء عند
الرجال عند مقارنتها بالنساء .. وكذلك طريقة الحداد على الميت بالنسبة لاهله واصحابه وعمامه وخواله والاقرب فـ الاقرب .. وللجنوب
العراقي طرق خاصة في العزاء .. فمـثلا عند الرجال يتم نصب خيمة كبيرة للعزاء ( جادر ) يتم فيها استقبال
المعزين .. ويتم وضع العلم الخاص بالعشيرة ( بيرق العشيرة ) في بداية الجادر لو كان المتوفي رجل .. يبقى العزاء حتى اليوم الثالث .. وهو
ما يسمى بـ ( يوم الختمة ) .. يتم فيها قراءة بضعة ايات من القرأن الكريم وتهدى مع ثواب الفاتحة لروح الميت .. مع وليمة
كبيرة طبعا .. وتختلف هذه الوليمة عن الوليمة الاصغر منها والتي تسمى بـ ( اليوم السابع ) .. وللحديث تتمة وشرح
للمفردات بصورة اعم واشمل .. الا انها ليست مما نريد ان نتحدث عنه .. فـ سنسلط الضوء على التقاليد العزائية الخاصة
بالنساء الجنوبيات .. وهن ينقسمن لعدة اقسام :

اولا : التي تدخل لدار اهل الميت وتعزيهم بالمصاب الاليم .. والتي (( تلاكَي )) او (( تلاجي )) .. اي التي تقوم بملاقاة بنات
او زوجة او ام الميت .. ودائما تأتي هذه المرأة ومعها (( رأس مشد )) وهو مستهل لهوسة معينة كانت قد حضرته
مسبقاً .. والهوسة عبارة عن بيت صغير من الشعر .. يحمل مضمونا معينا ..

ثانيا : بنات او اخوات او زوجة او ام الميت .. ويطلق عليهن ( اهل العزة ) أي صاحبات المصاب .. وغالبا ما يستقبلن من يدخلن من ( الملاجيات ) ..

ثالثا : امرأة امتهنت الشعر ونظمه وترتيبه .. وتمتاز بسرعة البديهة وبحلاوة اللسان وعذوبة الصوت .. ويطلق عليها ( الكَواله ) او
( الملاية ) .. وغالبا ما تأخذ المستهل من التي ( تلاكَي ) وتنشأ علي ضوئه ابيات ثانية .. وتدمج فيه صفة واخلاق واسم الميت ! ..

وللعزاء طريقة واحدة عند النساء .. لم تتغير ولم تختلف منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا .. حيث تدخل الـتي ( تلاجي )
وتبدأ بترديد الشعر مع ضرب الصدر او ( زنودها ) حد الاحمرار احيانا .. وتقوم نساء المجلس ويستقبلن تلك المرأة باللطم ايضا ..
واليكم بعضا من ذلك الشعر .. الذي يستعلم عند اللطم :

فيما يقال لو كان الميت احد الشيوخ الكبار :

علمك طووب هز لندة وفلسطين ...

( الطوب : المدفع .. لندة : لندن ) ..

وتقصد ان المتوفي كان صاحب علم غزير ولموته اهتزت العاصمة البريطانية وفلسطين المحتلة .. واستعمال هذين
الدولتين لانهما كانتا على مسرح الاحداث ايام اربعينات وخميسينات القرن الماضي !

وسبع أدول على فاالح مجدرين ..

( فالح : هو احد شيوخ البو محمد الكبار ... مجدرين : حزنانين ومقهورين )

وتقصد ان هنالك سبع دول قد حزنت على فراق فالح الصيهود .. وهو كان من كبار شيوخ قبيلة البو محمد .. وصاحب
حنكة ودراية ومعرفة .. الخ ...

ولو كان للميت قريب كأن يكون اخ او ابن او غيرهما .. صاحب منصب حكومي او ذا شخصية سياسية .. كأن
يكون في البرلمان العراقي .. تقول التي ( تلاجي ) :

ولك مرة اعلى مجلس النواب ... ولو سألوك عنه هو ابو طواب

أي اوصل الجنازة على ابنه او اخيه في مجلس النواب .. ومر بهذه الجنازة التي كان صاحبها معروفا
بمسك المدفع والرمي به على الاعداء ؟!

ولو كان الميت صاحب كرم وضيافة .. وهو ما يطلق عليه
في الجنوب العراقي ( معزب ) ..

تقول فيه النساء ..

حطوو بالنجف دلال .. طب راعي العزوبية ..

وتقصد ان يا اهل النجف ضعوا شيء يدل على قبر هذا المتوفي .. فقد كان الجميع يعرف بيته .. ضعوا
دليل .. فقد دخل صاحب الكرم والضيافة والعزيمة ..

ياهو الكال هذا الشط نشف ماية .. وانا استاهد عمامة البيهم كفاية ..

وقد قالتها مرأة في شخص كان كريما .. وشبهته بالنهر .. الا ان هذا النهر لم يجف بموته .. بل هنالك من
اولاد وعمام هذا الشخص من فيهم الكفاية .. قالتها وكان جوابهم انه نحن ( عد عيناج ) .. واكرموها اشد الاكرام ..

خوالي سهيل والتايهه يدلونه .. وخوالي حجي المرادد يكرهونه
وخوالي الحجي المخلبص يعدلونه ..

( سهيل : نجمة معروفة في السماء .. المرادد : الكلام الذي لا يعجب اهل المنطق من الشيوخ
واهل الكلام .. المخلبص : الذي فيه من الخربطة الشيء الكثير ) ..

وهنا تتفاخر المرأة باخوالها بعد ان فقدت احدهم ...

اما ما يقال في الشباب المتوفين :

يالشالع طبكة من ضلوعي

( طبكة : مجموعة مكسرة وملتفه على بعضها البعض )

وهنا تشبه الام ابنها الشاب باحد اضلعها .. التي تكسرت وانشلعت بعد ان فقدته بموته ...

معرس ليش ؟ مودينة للكبور !

وهنا الام تبكي على ابنها الشاب الذي قتل في معركة وفي ليلة عرسه .. وتتسأئل بحرقة قلب .. ان ابني في
ليلة عرسه .. لماذا تأخذونه للمقابر ؟؟!!

يا خيه ابنج شالع عيني ..

تقولها خالة الشاب المتوفي لاختها التي هي امه ..

ما يقال في المرأة الكبيرة السن والمقام ( الحجية )..

111275ب.jpg

جدتنا الربينه على ثديها ... بمكلة مال والله وشريها ...

( مكلة مال : مال كثير ... شريها : اشتريها ) ..

وهنا تقصد المرأة ان جدتها التي تربت على حليبها .. مستعدة ان تشتريها
بالمال الكثير لو كانت سترجع !!!

تصلي ولايكة الشيلة على مكفاها ... كلي يالضيعتهه وين تلكاها ...

( مكفاها : كتفها )

وتقصد المرأة ان جدتها ذات منظر جميل عند صلاتها .. وتتسأل اين نجدها وقد ضيعها الموت ؟!

بجفجاف اخضر لفووا الحجية ... ابنها بالسدر موش المجيرية ..

( الجفجاف : راية خضراء او ما يسمى بالعلك .. تزور للأئمة ويلف بها جسد الميت
المجيرية : المكلفين باخذ الميت لدفنه في مقبرة وادي السلام في مدينة النجف الاشرف .. )

وهنا تطالب المرأة بأن يلف نعش جدتها او امها بقطعة من القماش خضراء اللون .. وتفتخر بأن ابنها قد جلس في
صدر السيارة ( المقعد الامامي ) .. ولم يوصل جدتها الغرباء لدفنها في مقبرة النجف .. بل ان ابنها هو من
تكفل بذلك .. وهذا فخر للنساء الجنوبيات ان يتولى ابنائهن دفنهن ..

لفوها بزري يا مِلكة النسوان ... لو نعلوا ابوها تنعل الشيطان ..

( زري : الأيزار او قطعة القماش التي عليها نقوش وبعض التطاريز .. او ما يسمى شرشف )

وهنا تقصد المرأة بان يلف جسد امها او جدتها .. بقطعة مطرزة من القماش الجميل .. وتطلق عليها ( ملكة النساء )
لمكانتها وطبيعتها المحبوبة .. ورجاحة عقلها ورأيها .. وتوصفها بالطيبة والعفو وامتلاك النفس عند الغضب .. فـ تقول
انها حتى لو سب ابوها امامها .. فانها تتماسك اعصابها ولا ترد الشتيمة بـ شتيمة مثلها .. بل تلعن الشيطان ليبتعد
عنها ولا يوسوس لها برد الاسأءة باساءة مثلها .. وقلما تجد امرأة عاقلة تتصف بمثل هذه الصفة الجميلة ؟!!

جفجير ام هله ودوه وياها ... خافن بالدرب خطار يلكاها ..

( جفجير : ملعقة كبيرة لطهو الطعام .. ا م هله : التي تستقبل الجميع بابتسامة وكلمه اهلا )

وهنا المقصود ان يرسل مع المرأة التي كانت كريمة وصاحبة ضيافة .. ( جفجيرها ) التي كانت تعد به الطعام
لضيوفها الكثيرين .. حتى وصل الامر ان يُطالب بارساله معها في النعش .. فقد يصادفها ضيف في الطريق
الي المقبرة !! وهنا هذا تعبير رمزي جميل وصورة شعرية ..

عمتي تريد من اهل الخيل زاتوت ... ومن اهل التفك ترفع التابوت ...

( زاتوت : الذي يوصل الميت لمثواه الاخير )

وهنا تقصد المرأة ان ام زوجها قد طالبت بان يوصل جنازتها للمقبرة .. المعروفين بالفروسية وركوب الخيل .. واوصت
بان يرفع نعشها المترمسين بالرمي بالبنادق واصحاب الشجاعة والاقدام ! ...

اكعدي يم هله جيناج خطار ... يم جاي المهيل والخبز حار ..

وهنا تتكلم المرأة مع المتوفية بلغة المخاطبة بين الحي والميت .. وتقول يا صاحبة الكرم والضيافة
والتي تستقبل الجميع بكلمة اهلا وسهلا ... انهضي وقومي قد اتيتكِ ضيفه فاين استقبالك وضيافتك
المعهودة .. يا صاحبة الشاي المهيل والخبز الحار الطيب ؟؟

اجيت انشد وادور وين صاحبتي ... لكيت البيت تايهه والولد يبجي ..

( انشد : اسأل عن )

وهنا تدخل المرأة لبيت صديقتها وكلها حزن وحرقة .. وتقول اين انتي يا صاحبتي .. هذا بيتك
قد اصبح خاليا .. وهذا ابنكِ يبكي ولا من يسكته ..

بعدها بشوك ابنها وبنضيدته ...

( نضدتها : فراش العروس وجهازها )

وهذه تطلق في المتوفية حديثة العهد بالزواج .. فقد ماتت ولا زالت بانتظار ابنها الاول وفراش عرسها ؟!!

وبعد ان تنهي المرأة كلامها وابياتها الواحد تلوو الاخر .. وبعد الربط الجميل للـ ( ملاية او الكواله ) .. وبعد انتهاء النساء
من اللطم وضرب الصدر على المتوفي او المتوفية .. يجلسن على الارض مع ترديد اشعار وابيات اخرى .. الا
انها بوزن وقافية غير .. وبثلاث او اربع ابيات شعرية على الاقل .. وهو ما يسمى بـ ( النواعي ) أي النعي
على الميت .. وهذه مجموعة من ابيات النعي التي تقولها نساء الجنوب العراقي :

الاجواد لو رادوا يرحلون ... يكعدون بالربعة ويوصون ..
الذي يموت يوصي باهله وبناته ...

( الربعة : مكان الجلوس او المسامرة ومكان الحديث )

وهنا تقصد النساء ان اهل الجود والكرم .. عندما يشعرون بدنوا اجلهم وانهم مفارقون هذه الدنيا .. يبدأون
بتوصية الغير باهلهم خيرا .. وبمراعاة بناتهم على الخصوص .. فهن اقرب للنفس واقل حيلة وقوة من
ابنائهم .. وهذا ما تعارف عليه اهل الجنوب .. حيث بمجرد اقتراب الاجل او قبيل ساعات الاحتضار يوصون اهلهم
بوصايا خاصة .. ويوصون الغير باهلهم كذلك .

صعدنا جبال العاليات .. وكلوبنا عند البنات ..
مدري عراية مدري مجيعات ..

( صعدنا جبال : تعبير عن الموت ... عراية : بدون ملابس ... مجيعات : يعانين من الجوع )

وهنا تصور المرأة ذلك الاب الحنون والعطوف على بناته .. بالذي يصعد جبلا عاليا .. وقلبه لا زال عند بناته الذي تركهن ولا يعلم
حالهن الان ... هل هن بملابس هل يعانين من الجوع هل هنالك من يعتني بهن ؟!!

يمكبرة اشبيج من اهلنا ... بيج النويني وبيج المحنة
وبيج التخاف الزلم منه ..

( النويني : الرجل الشجاع .. المحنة : الشاب .. )

وهنا تسأل المراة المقبرة .. وتقول لها مالكِ ومالنا .. لقد اخذتي كل اهلنا .. فاخذتي منهم من كان شجاعا .. ومن كان شابا في
بداية شبابه .. واخذتي الذي تهابه الرجال ...

درب النجف لوفات لوفات .. لو ظلم وكتنا عدمن نبات
نبات عند اصحاب المروات ..

تقصد المرأة ان دروب مدينة النجف الاشرف غير معروفة ومتداخلة فيما بينها .. ولو حل علينا الظلام اين سنبيت .. سنبقى
بالقرب من قبور اهلنا .. فهم اهل المرؤة والكرم حتى وهم اموات !!!

يا مكبرة يخرجج وطيها .. منين اطب منين اجيها
وشنومك يزغير بيها

( يخرجج : يخوف ويُرهب .. وطيها : ارضها وصوت رياحها .. اي وطئها والدخول فيها .. )

تقصد المرأة ان ارض مقبرة النجف تلقي الخوف في نفوس قاصديها ولها رهبة وفيها من الوحشة الشيء الكثير .. ولها
اول ولا اخر لها .. فكيف نمت انت ايه الطفل الصغير فيها .. والمتكلمة ابنها مات صغيرا .. وتخاطبة خطاب الحي للميت ...

الطلابة تريد اثنين واثنين .. تريد اليحط العين بالعين
يكظونها اليجون راضين ..

وهنا فقدت المرأة اخوانها وابناء عمومتها في معركة ما .. وتطالبهم بالعودة والرجوع للحياة .. لكي ياخذوا بحقها .. وان
يأتوا اثنين اثينين كـ حال المقاتلين .. وان ينهوا المعركة لصالحهم !

طببتكم كوردي وعجمي .. وبيات الليل عندي
يسومكم واني اشتري ..

( يسومكم : يقدر سعركم )

وهنا قد اتت المرأة بطبيب القرية الكوردي .. الذي سكن عندهم .. وهي وحدها في البيت ولكنها اثرت ان يقال
انها ادخلت رجلا غريبا في بيتها بل وبات عندها .. على ان لا تفقد ابنها المريض .. الا ان ابنها توفي وهي تخاطبة
مخاطبة المعاتبة له .. وتذكره بالذي تنازلت عنه من اجله !

***********************

ربما ما ذكرته اعلاه يمثل نقطة في بحر .. ولم اذكر سوى مستهل هوسات النساء .. وقليل من النعاوي الخاص
بمجالس عزائهن .. ومن الصعب بل من المهمات المستحيلة ان تجمع كل تلك الابيات في كتاب ما .. فعلى كثرتهم
ممكن ان ننشأ مجلدات كثيرة .. وتغاضيت عن بعض ما يحدث في المجالس من قول الغيبة وقالت فلانه وحدث
عند بيت علانه .. الخ .. تغاضيت عنه عن قصد وان كان جديرا بالذكر لتسليط الضوء عليه !! ...

تحياتي ...
منقول