بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك

وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته

التواضع في اللغة من تَوَاضع يَتوَاضعُ تَوَاضُعًا:

تواضع الشخص: تخاشَعَ وتَذلَّل وعكسها تكبَّر. وتواضعوا على الأمر: اتفقوا عليه؛ كتواضع المتآمرون على كلمة سر بينهم يتعارفون بها. و تواضعت الأرض: انخفضت عما يليها. وتأتي بمعنى بَعُد أيضا؛ مثل: تواضعت المسافات بيننا. والفعل مأخوذ من مادة (و ض ع) التي تدل على الخفض للشيء وحطه.
والتواضع اصطلاحًا: هو إظهار التنزل عن المرتبة لمن يراد تعظيمه، وقيل: هو تعظيم من فوقه لفضله.

وجاء في لسان العرب: التَّواضُعُ: التَّذَلُّلُ. وتَواضَعَ الرجلُ: ذَلَّ. ويقال: دخل فلان أَمْرًا فَوَضَعَه دُخُولُه فيه فاتَّضَعَ. وتَواضَعَتِ الأَرضُ: انخفضت عما يليها، وأَراه على المثل. ويقال: إِنَّ بلدكم لمُتَواضِعٌ، وقال الأَصمعي: هو المُتَخاشِعُ من بُعْدِه تراهُ من بَعيدٍ لاصِقاً بالأرض. وتَواضَعَ ما بيننا أَي بَعُدَ.




وكما جاء في كتاب جامع السعادات:


هو انكسار للنفس يمنعها من أن يرى لذاتها مزية على الغير، و تلزمه أفعال و أقوال موجبة لاستعظام الغير و إكرامه، و المواظبة عليها أقوى معالجة لإزالة الكبر.

وبالنسبة للأخبار الواردة عن مدح التواضعه وفوائده، فهو أمر لا بد منه، لكي يتحرك الإنسان إلى السعي في تحصيل التواضع لإزالة ما هو ضد التواضع وهو التكبّر من قلب الإنسان.

قال رسول الله (ص) "ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله". و قال (ص) "طوبى لمن تواضع فى غير مسكنة، و أنفق مالا جمعه من غير معصية، و رحم أهل الذلة و المسكنة، و خالط أهل الفقه و الحكمة‏".


و روي: "أن الله سبحانه أوحى إلى موسى: إنما أقبلُ صلاة من تواضع لعظمتي و لم يتعاظم على خلقي و ألزم قلبه خوفي و قطع نهاره بذكري و كف نفسه عن الشهوات من أجلى".

و قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه: "ما لي لا أرى عليكم حلاوة العبادة؟!. قالوا: و ما حلاوة العبادة؟ قال: التواضع‏".

وقال عيسى ابن مريم (ع): "طوبى للمتواضعين في الدنيا! هم أصحاب المنابر يوم القيامة، طوبى للمصلحين بين الناس في الدنيا! هم الذين يرثون الفردوس يوم القيامة: طوبى للمطهرة قلوبهم في الدنيا هم الذين ينظرون إلى الله تعالى يوم القيامة‏".

و أوحى الله تعالى إلى داود (ع): "يا داود! كما أن أقرب الناس إلى الله المتواضعين، كذلك أبعد الناس من الله المتكبرون‏".

و روي: "أن سليمان بن داود إذا اصبح تصفح وجوه الأغنياء و الأشراف حتى يجى‏ء إلى المساكين فيقعد معهم، و يقول مسكين مع مساكين".

و روي: "أنه ورد على أمير المؤمنين (ع) أخوان له مؤمنان، أبٌ و ابن، فقام إليهما و أكرمهما و أجلسهما في صدر مجلسه و جلس بين ايديهما، ثم أمر بطعام فاحضر فأكلا منه، ثم جاء قنبر بطست و إبريق خشب و منديل، و جاء ليصب على يد الرجل، فوثب أمير المؤمنين و أخذ الإبريق ليصب على يد الرجل، فتمرغ الرجل في التراب، و قال يا أمير المؤمنين! الله يراني و أنت تصب على يدي! قال: أقعد و اغسل، فإن الله عز و جل يراك، و إخوك الذي لا يتميز منك و لا ينفصل عنك يخدمك، يريد بذلك في خدمته في الجنة مثل عشرة أضعاف عدد أهل الدنيا. فقعد الرجل. و قال له علي (ع):

أقسمت عليك بعظيم حقي الذي عرفته، لما غسلت مطمئنا كما كنت تغسل لو كان الصاب عليك قنبر، ففعل الرجل ذلك، فلما فرغ ناول الإبريق محمد بن الحنفية، و قال: يا بني! لو كان هذا الابن حضرني دون أبيه لصببت على يده، و لكن الله عز و جل يأبى أن يسوي بين ابن و أبيه إذا جمعهما مكان، لكن قد صب الأب على الأب فليصب الابن على الابن، فصب محمد بن الحنفية على الابن‏"[1].
و قال الصادق (ع): "التواضع أصل كل شرف نفيس و مرتبة رفيعة، و لو كان للتواضع لغة يفهمها الخلق لنطق عن حقائق ما في مخفيات العواقب".


و أصل التواضع من إجلال الله و هيبته و عظمته. و ليس لله عز و جل عبادة يقبلها و يرضاها إلا و بابها التواضع. و لا يعرف ما في معنى حقيقة التواضع إلا المقربون من عباده المستقلين بوحدانيته، قال الله عز و جل:
﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا﴾[2].
و قد أمر الله عز و جل أعز خلقه و سيد بريته محمدًا صلى الله عليه و آله بالتواضع، فقال عز و جل: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏﴾[3].
و التواضع مزرعة الخضوع و الخشوع و الخشية و الحياء، و إنَّهن لا ياتين إلا منها و فيها، و لا يسلم الشرف التام الحقيقي إلا للمتواضع في ذات الله تعالى[4]. و قال الإمام أبو محمد الحسن بن علي العسكري عليهم السلام: "أعرف الناس بحقوق إخوانهم و أشدهم قضاء لهم أعظمهم عند الله شأنا، و من تواضع في الدنيا لإخوانه فهو عند الله من الصديقين و من شيعة علي بن ابي طالب عليه السلام حقا"[5].


ومن الأمثلة على التواضع:

عن الصادق عن أبيه عن جده عليهم السلام قال: "وقع بين سلمان الفارسي وبين رجل كلام وخصومة فقال الرجل: من أنت يا سلمان؟ فقال سلمان: أما أولي وأولك فنطفة قذرة، وأما آخري وآخرك فجيفة منتنة -نتنة-، فإذا كان يوم القيامة، ووضعت الموازين، فمن ثقل ميزانه فهو الكريم، من خف ميزانه فهو اللئيم"[6].


وعن الصادق أيضا عن آبائه (عليهم السلام) قال: "مرَّ رسول الله وسيد رسله صلى الله عليه وآله على جماعة فقال: على ما اجتمعتم؟ فقالوا: يا رسول الله هذا مجنون يُصرع، فاجتمعنا عليه. فقال: ليس هذا بمجنون، ولكنه المبتلى. ثم قال: ألا أخبركم بالمجنون حقَّ المجنون؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: المتبختر في مشيته، الناظر في عطفيه، المحرك جنبيه بمنكبيه، يتمنى على الله جنته، وهو يعصيه، الذي لا يؤمَن شره، ولا يرجى خيره، فذلك هو المجنون هذا هو المبتلى"[7].







وصلِّ اللهم على محمد وآله الطيبين الطاهرين.





----------------------

[1] روي هذا الحديث في البحار-في الجزء الرابع من المجلد الخامس عشر ص 149 باب التواضع-عن الاحتجاج و التفسير المنسوب الى الامام العسكري (ع) .

[2] الفرقان، الاية 63.

[3] الشعراء الاية: 215.

[4] روى هذا الحديث في البحار أيضا في الموضع المتقدم عن مصباح الشريعة.

[5] هذا الحديث من نفس الحديث المتقدم عن الاحتجاج و التفسير المنسوب الى الامام.

[6] البحار م15 ج124 عن أمالي الصدوق.

[7] البحار م15 ج3 ص125.