بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة الدائمة على الحبيب المصطفى واله الطيبين الطاهرين
من أخلاق العترة الطاهرة ( التسامح )
التسامح وآثاره مع الإضاءة على بعض ما ورد منها في سلوك أهل البيت عليهم السلام.
قال الله عزوجل ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.
التسامح من الأخلاق التي ندب إليها الإسلام، وقد جاء مدحها كثيراً في النصوص، وأكدت حسنها الكثير من مواقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة من آله ومن أبرز تلك المواقف موقفه صلى الله عليه وآله وسلم مع أهل مكة يوم الفتح حيث قال لهم: "إذهبوا فأنتم الطلقاء".
فالتسامح سجية وخلق تدفع الإنسان للتجاوز عن إساءات الآخرين، والصفح عن أخطائهم، والإغضاء عنها، وعدم مقابلة الإساءة بمثلها، بل باللين والعفو والتساهل وعدم التشدد والعنف.
فالتسامح هو شعور إيجابي، يفيض رحمة وعطفاً وحناناً...
ومما جاء في مدح هذا الخُلُق قرآنياً قوله تعالى: ﴿وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾.
وقال كذلك: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمٌْ﴾ ولأن العفو والصفح من مصاديق التسامح فقد جاء في مدح هذه الخلّة الإنسانية عن الإمام علي عليه السلام قوله: "العفو تاج المكارم".
قال تعالى: ﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.
هاتان الآيتان جاءتا بعد أن هددت الآيات السابقة، العُصاة وتوعدتّهم بالعذاب والجحيم، وبشرت الأبرار المطيعين بالرحمة الإلهية، وشوَّقتهم إليها، جاءت مبتدئة لتحثّ على المسارعة، أي المسابقة للوصول إلى جنة عرضها السماوات والأرض، فالآيات تحثّ على المنافسة في ما يوصل إليها وهو تحصيل المغفرة من الله ثم الجنة.
فكأن التصوير يأتي ليرسم مباراة يتنافس فيها المتنافسون لنيل الجوائز الموصوفة آنفاً، وهي المغفرة والجنة الواسعة سعة السماوات والأرض.
والذين يفوزون بهذا السباق وهذه المباراة هم المتقون. ثم بينت الآيات التي تلت سيماء هؤلاء المتقين، وهم الحائزون خمس صفات أولها الإنفاق في السرّاء والضرّاء، ثم ذكرت ثلاث صفات أخرى هي:
1- والكاظمين الغيظ: أي الذين لديهم القدرة على السيطرة على غضبهم مع كونهم ممتلئين بأسباب الغيظ والغضب. إذ إنّ الكظم هو شدُّ رأس القربة عند ملئها لئلاَّ يتفلت منها ماؤها.
2- والعافين عن الناس: أي أنهم يتحلّوْن بالقدرة على الصفح عمن ظلمهم، ويتجاوزون عن الإساءة عن من يستحق العفو والصفح.
3- والله يحب المحسنين: أي أنهم محسنون، لا يكتفون بكظم غيظهم، والصفح والعفو عن المسيئ، بل يقابلون الإساءة بالإحسان، فيحسنون إلى من ظلمهم.
من آثـار التسامـح
لقد جاء في كلام أهل البيت عليهم السلام وسلوكهم الكثير مما يحثّ على العفو والتسامح. فمنها بيان آثار العفو في الدنيا والآخرة نذكر منها:
1- طول العمر: فعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من كثر عفوه مدّ في عمره"8.
2- العزة: عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "العفو لا يزيد العبد إلا عزاً فاعفوا يعزّكم الله"9.
3- الوقاية من سوء الأقدار: عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "تجاوزوا عن عثرات الخاطئين يقيكم الله بذلك سوء الأقدار"10.
4- بقاء المُلك: عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "عفو الملوك بقاء الملك"11.
5- النصر: عن الإمام الرضا عليه السلام: "ما التقت فئتان قط إلا نُصر أعظمهما عفواً"12.
6- النجاة من النار: عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "تجاوزوا عن ذنوب الناس يدفع الله عنكم بذلك عذاب النار"13.
التسامح في سيرة أهل البيت عليهم السلام:
جاء عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: "إنّا أهل بيت مروّتنا العفو عمن ظلمنا"14. وهذه رواية جامعة لبيان مقام خُلُق العفو والتسامح عند أهل البيت وللمتابع لسيرتهم عليهم السلام أن يجد ما هو أكثر من ذلك، لا سيما ما ورد حول قصة الإمام السجاد عليه السلام مع تلك الجارية التي شجّت رأسه، فقابل ذلك بالتدرج معها وهي تتدرج بذكر الآيات فمنحها كظم الغيظ ثم عفا عنها ثم أحسن إليها بإعتاقها.
ومن سيرة أمير المؤمنين عليه السلام في التسامح والعفو نجد المصاديق التالية:
1- حين تمَّ القبض على عبد الله بن الزبير، ومروان بن الحكم، وسعد بن العاص عفا عنهم وأحسن إليهم.
2- مر َّالإمام علي عليه السلام بعد معركة الجمل بنساء يبكين بفناء دار فلما نظرن إليه صحن صيحة واحدة وقلن: "هذا قاتل الأحبة" فقال عليه السلام: "لو كنت قاتل الأحبة لقتلت من في هذه الحجرة، ومن في هذه وأومأ بيده إلى ثلاث حجرات. تقول صفية فذهبت إليهن فما بقيت في الدار صائحة إلا سكتت، ولا قائمة إلا قعدت"، وكان في إحدى الحجرات عائشة ومن معها من خاصتها، وفي الأخرى مروان بن الحكم وشباب من قريش، وفي الثالثة عبد الله بن الزبير وأهله...
3- روي أنه بعد أن ضرب ابن ملجم اللعين الإمام علياً عليه السلام وكان طريح الفراش جيء إليه بقعبٍ من لبن (حليب) فشرب منه قليلاً ثم نحاه عن فيه وقال: "إحملوه إلى أسيركم" (أي ابن ملجم).
منقول للفائدة
نسألكم الدعاء