كل ما صدر عن الأئمّة المعصومين
من وصايا ورسائل وخطب وشعر ، كان في سبيل الدعوة الإسلامية ، والحث على طاعة الله تعالى ، والدعوة إلى التحلّي بمكارم الأخلاق ، والتمسّك بالفضائل ، فكانوا
يعملون على تثقيف الأمّة الإسلامية ، وتعليمها وتوعيتها ، ويبذلون أقصى الجهود في تقويمها ، وهدايتها إلى الطريق السليم .
وموضع الشعر كان ينشد عند عامّة الناس في التشبيب واللهو والمجون ، أمّا أهل البيت
فكانوا ينظمونه في الدعوة إلى الخير والعقيدة الإسلامية ، والأخلاق والتحلّي بالفضائل النبيلة ، وهذه هي الفوارق التي تميّزهم عن غيرهم من الشعراء الآخرين .
والإمام الكاظم
لم يكن شاعراً محترفاً ، بل كان نظمه للشعر قليلاً جدّاً ، ومن شعره :
قوله في أفعال العباد :
لم تخل أفعالنا التـي نذم بها |
|
إحـدى ثلاث حيـن نبديـها |
إمّا تفرّد باريـنا بصـنعتها |
|
فيسقط اللوم عنا حيـن نأتيها |
أو كان يشـركنا فيها فيلحقه |
|
ما كان يلحقنا من لائـم فيها |
أو لم يكن لإلهي في جنايتها |
|
ذنب فما الذنب إلاّ ذنب جانيها |
قوله
في اللجوء إلى الله تعالى :
أنت ربّي إذ ظمئت إلى الماء |
|
وقوّتي إذا أردت الطعاما |
ذكر الشيخ المفيد أبياتاً له تلاها الإمام الرضا
على المأمون ، ونسبها
إلى أبيه :
كـن للمكاره بالعزاء مدافعـا |
|
فلعل يوماً لا ترى ما تكره |
فلربما استتر الفتى فتنافسـت |
|
فيه العيـون وإنّه لممـوه |
ولربما ابتسم الوقور من الأذى |
|
وضـميره من حرّه يتأوّه |
وكان
يعلم كل شيء يدور حوله ، ولكن عيون المراقبين تترصّده دائماً ، فلم يكن له إلاّ أن يموّه ما يقول حذراً ، فيبتسم من الأذى المحدق به ، وضميره من حرّه يتأوّه في صدره .
وذكر ذو النون المصري : أنّه اجتاز أثناء سياحته على قرية تسمّى بتدصر ، فرأى جداراً قد كتبت عليه هذه الأبيات :
أنا ابن منى والمشـعرين وزمزم |
|
ومكّة والبيـت العتيـق المعظّـم |
وجدّي النبي المصطفى وأبي الذي |
|
ولايتـه فرض على كلّ مسـلم |
وأمّـي البتول المسـتضاء بنورها |
|
إذا مـا عددناها عديلـة مريـم |
وسبطا رسـول الله عمّي ووالدي |
|
وأولاده الأطهـار تسـعة أنجـم |
متى نعتلق منهـم بحبـل ولايـة |
|
تفز يـوم يجزى الفائزون وتنعم |
أئمّـة هـذا الخلق بعـد نبيّهـم |
|
فإن كنـت لـم تعلـم بذلك فاعلم |
أنا العلوي الفاطمـي الذي ارتمى |
|
به الخوف والأيّام بالمرء ترتمـي |
فلممـت بالدار التـي أنا كاتـب |
|
عليها بشعري فأقر إن شئت والمم |
وسـلّم لأمر الله فـي كل حالـة |
|
فليس أخو الإسـلام من لم يسـلّم |
قال ذو النون : فعلمت أنّه علوي قد تخفى عن السلطة في خلافة هارون ، واحتمل العلاّمة المجلسي أن تكون هذه الأبيات للإمام الكاظم
ذهب إلى ذلك المكان ، وكتبها لإتمام الحجّة على أعدائه .
وما نراه أنّ الإمام
لم يتخف ، ولم يتهرّب من السلطة في يوم من الأيّام ، بل كان في يثرب مقيماً ينكر على هارون ، وعلى غيره من ملوك عصره بكل جرأة وإقدام ، وهذا الذي أوصل به إلى السجن .