ليست السُّنَّة النبوية فقط في قراءة القرآن؛ بل في سماعه من الآخرين كذلك؛ فقد روى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اقْرَأْ عَلَيَّ». قُلْتُ: آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: «فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي». فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ، حَتَّى بَلَغْتُ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا} [النساء: 41] قَالَ: «أَمْسِكْ». فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ. وروى مسلم عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي مُوسَى: «لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِكَ الْبَارِحَةَ، لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ».

وفي رواية الحاكم -وقال الذهبي: صحيح- عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَبِي مُوسَى ذَاتَ لَيْلَةٍ وَمَعَهُ عَائِشَةُ، وَأَبُو مُوسَى يَقْرَأُ فَقَامَا فَاسْتَمَعَا لِقِرَاءَتِهِ، ثُمَّ مَضِيَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو مُوسَى، وَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَرَرْتُ بِكَ يَا أَبَا مُوسَى الْبَارِحَةَ، وَأَنْتَ تَقْرَأُ فَاسْتَمَعْنَا لِقِرَاءَتِكَ». فَقَالَ أَبُو مُوسَى: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَوْ عَلِمْتُ بِمَكَانِكَ لَحَبَّرْتُ لَكَ تَحْبِيرًا.

فسُنَّة سماع القرآن من الآخر سُنَّة محبوبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ خاصة لو كان القارئ ذا صوتٍ جميل، وتطبيق هذه السُّنَّة ميسور في زماننا، حيث تتوافر التسجيلات الكثيرة للقرَّاء حَسَني الصوت، فلنملأ أوقاتنا بسماع القرآن؛ في بيوتنا، وسياراتنا، وعلى أجهزة الهاتف المحمولة، والأجهزة الإلكترونية، فهذه هي أفضل طرق استغلال الوقت.

ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].

المصدر : كتاب " إحياء354 " للدكتور راغب السرجاني