السومرية نيوز/ بغداد
لقي العديد مصرعهم منتحرين في محافظات مختلفة، بينما حظي آخرون بـ"عمر جديد" بعد أن اختاروا الانتحار مستعينين بطرق فضيعة، للهروب من واقع سئموه أو ضغوط نفسية شديدة لا يقوون على مواجهتها.
إلا أن الأسوأ هو لجوء شباب من كلا الجنسين الى خيارات متطرفة لإنهاء حياتهم، الى جانب غياب الثقافة النفسية في العراق، فكيف يصل هؤلاء الى طريق مسدود؟، وهل هناك ما يستحق فعلا أن ينهي الإنسان حياته ببساطة؟
كانت فرصة نجاتها ضئيلة، الأطباء ذهلوا بوجود نحو 300 قرص دواء مختلف الأنواع والأغراض في معدتها، ضمنها علاجات نفسية تتسبب بنوبات قلبية مميتة في حال تعاطيها دون استشارة طبيب، إنها فتاة تبلغ من العمر 18 عاماً في محافظة الديوانية اختارت الانتحار لإصابتها بانهيار عصبي على خلفية وفاة شقيقها.
كان المشهد مرعباً عندما وصلت الفتاة الى المستشفى، حيث بدت فاقدة الوعي وعلى شفا الموت، أما الأطباء المختصون فقد تعاملوا بسرعة قبل أن تزهق روحها، كما حدث لحالات مماثلة في أوقات سابقة.
نجاة الفتاة التي لم يفصح عن اسمها لأسباب اجتماعية يعد، "أعجوبة نادرة الحصول"، كما يقول مدير إعلام وزارة الصحة احمد الرديني في حديث له مع الـ السومرية نيوز، موضحا، أن "حالة الانتحار هذه هي ضمن 50 حالة نادرة نجت بأعجوبة على مستوى كل دول العالم".
ويوضح الرديني، أن "مركز غسل الكلى في مستشفى الديوانية العام استقبل الفتاة وهي فاقدة للوعي مع تدهور وظائف جسدها الحيوية نتيجة تناول 30 شريط من الأدوية منها أربعة أشرطة علاج للحالات العصبية والنفسية"، مؤكدا أن "تلك الأدوية تؤدي الى حدوث سكتة دماغية وفشل الكبد والكلى والموت نتيجة التسمم".
ويلفت الرديني الى أن "المريضة جرى ربطها على جهاز متطور وحديث ليتابع حالتها الكترونيا بعد برمجته"، مبينا أن "ملاكات صحة الديوانية تمكنت عدة مرات من معالجة حالات تسمم نادرة عبر الجهاز الحديث الموجود في مركز غسل الكلى التابع لمستشفى الديوانية العام".
إستراتيجية خاصة لتقليل الانتحار
أسلوب انتحار آخر بالغ القسوة، وهو الشنق، كما فعل فتيان احدهما من بغداد والأخر من المحافظات تأثروا، بحسب مختص نفسي، ببطل فلم تركي اعدم نفسه فقاموا بتقليده عبر تعليق أنفسهم، مبينا أن احدهما فارق الحياة، والأخر تم إنقاذه.
ويقول مستشار الصحة النفسية عماد عبد الزراق عبد الغني في حديث لـ السومرية نيوز، إن "وضعت إستراتيجية خاصة لتقليل محاولات الانتحار، وهي في طور الإعداد النهائي باشتراك وزارة الصحة وعدة جهات أخرى"، مبينا أن "أسباب الانتحار كثيرة، منها نفسية وأخرى اجتماعية، وفي حالات قليلة عاطفية من أجل لفت الانتباه لقضية الانتحار".
ويوضح عبد الغني، "ثمة حالات انتحار تحصل لطلاب يرسبون بالدراسة أو إثر علاقة حب فاشلة آو ضغط من قبل الأهل لإجبار البنت على الزواج من شخص لا ترغب به"، لافتا الى أن "أكثر محاولات الانتحار تتم عبر تعاطي الحبوب والحرق وأخرى بتناول المبيدات الحشرية".
ويبين عبد الغني، أن "أولوية الأطباء عند ورود حالة انتحار لهم، هي إنقاذ حياته عن طريق الطوارئ والباطنية والجراحة العامة ومن ثم يحال الى أقسام الصحة النفسية بعد استقرار حالته الصحية، لمعرفة فيما إذا كان مصاباً باكتئاب أو انفصام أو يتناول أدوية محددة أو تعرض لضغط نفسي"، مبينا أن "العلاج يتضمن أيضا التقصي في حال وجود محاولات سابقة للانتحار وهل تعرض لصدمة نفسية أو انهيار عصبي أو انفعال عاطفي".
ويشير الى، أن "العائلة لها دور أساسي لتحصين أولادها من الانتحار"، لافتا الى أن "المجتمع العراقي يعاني من غياب الثقافة النفسية، فهناك جهل بالثقافة النفسية بالعراق، فهناك فكرة سيئة على من يراجع طبيب نفسي".
ويؤكد عبد الغني، "وجود ثلاثة مستشفيات نفسية في العراق و35 ردهة نفسية في المستشفيات في عموم البلد، فضلا عن 35 عيادة استشارية نفسية"، مشيرا الى "وجود دراسة يجري العمل عليها لمعرفة المحافظة والمنطقة والاعمار الأكثر إقداما على الانتحار".
ويرجع عبد الغني، أسباب معظم حالات الانتحار في العراق الى "العلاقات العاطفية في مراحل الدراسة، حيث يتعلق بعض الشباب اليافعين بفتيات بينما يرفض أهاليهن تزويجهن، لأن المجتمع العراقي مجتمع شرقي محافظ، ما يدفع بعضهم الى الانتحار".
يذكر أن العراق شهد خلال السنوات القليلة الماضية ازدياد حالات الانتحار في مختلف مناطق البلاد، إلا أنه يفتقد لإحصائيات دقيقة عن عدد حالات الانتحار، في ظل غياب البرامج الحكومية الكفيلة بالكشف عن أسبابها ووضع الدراسات لمعالجتها، فيما يعزوها أطباء نفسيون إلى الضغوط النفسية والتغيرات التي شهدها المجتمع العراقي بعد أحداث عام 2003.