بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
من الأنشطة الفكرية الواسعة الصيت في عصر الإمام الكاظم(عليه السلام) والمؤثرة في تبلور فكر الاُمة هي المناظرة العلمية، وكان الإمام الصادق(عليه السلام) ثم الإمام الكاظم(عليه السلام) من بعده قد استثمرا هذه الظاهرة وأعدّا لها نخبة من العلماء المتخصصين في هذا الميدان تعاهدوا للدفاع عن مذهب أهل البيت(عليهم السلام) وتعريفه للناس واستطاعوا رغم المنع السلطوي والحصار الفكري ضدهم أن يروّجوا للمذهب ويحققوا انتصارات مشهودة. كما قد نشطوا من جانب في دحض الشبهات والإتهامات التي كانت تثار ضد الفكر الإسلامي أو الشيعي واستطاعوا أن يقفوا بوجه الموجات الفكرية الانحرافية والحركات الالحادية.
ومن جملة أصحاب الإمامين الصادق والكاظم(عليهما السلام) البارزين في هذا الميدان هشام بن الحكم.
كان هشام بن الحكم من أفذاذ الاُمة الإسلامية ومن كبار علمائها وفي طليعة المدافعين عن خط أهل البيت(عليهم السلام).
جاهد طويلا لنصرة الحق خصوصاً في عصرالرشيد، الذي انعدمت فيه الحريات، وكان الذاكر لفضائل أهل البيت(عليهم السلام) عرضة للانتقام والتنكيل من قبل السلطة.
كان من أصحاب الإمام الصادق(عليه السلام) وبعد وفاته اتّصل بالامام الكاظم(عليه السلام).
و اختص في علم الكلام فكان من كبار المتكلمين في عصره، وشهد له بذلك ابن النديم.
ونظراً لاختصاصه في هذا الفن فقد زيّن يحيى بن خالد البرمكي مجلسه به وجعله قيماً لمجالس كلامه[1].
وخاض هشام مع علماء الأديان والمذاهب مستدلا على صحة مبدأه وبطلان أفكارهم.
ونظراً لخطورة استدلاله وقوة حجته كان الرشيد يحضر من وراء الستار فيصغي اليها ويعجب بها، ولقد خاض في عدة مناظرات مع زعيم المعتزلة الروحي عمرو بن عبيد[2].
ووجه يحيى بن خالد البرمكي سؤالا لهشام بحضرة الرشيد من أجل احراجه قائلا له: أخبرني عن علي والعباس لما اختصما الى أبي بكر في الميراث أيهما كان المحق من المبطل؟
فاستولت الحيرة على هشام لأنه قال في نفسه: ان قلت علياً كان مبطلا كفرت وان قلت العباس كان مبطلا ضرب الرشيد عنقي.
فقال هشام: لم يكن من أحدهما خطأوكانا جميعاً محقين، ولهذا نظير قد نطق به القرآن في قصة داود (عليه السلام)حيث يقول اللهوهل أتاك نبأالخصم إذ تسوّروا المحراب)، الى قوله تعالى: (خصمان بغى بعضنا على بعض) فأي الملكين كان مخطئاً؟ وأيهما كان مصيباً؟ أم تقول: انهما كانا مخطئين فجوابك في ذلك جوابي بعينه.
فقال يحيى: لست أقول : الملكين أخطآ، بل أقول انهما أصابا وذلك انهما لم يختصما في الحقيقة ولا اختلفا في الحكم وانّما أظهرا ذلك لينبّها داود على الخطيئة ويعرّفاه الحكم ويوقفاه عليه.
فقال هشام: كذلك علي والعباس لم يختلفا في الحكم ولا اختصما في الحقيقة وانما أظهرا الاختلاف والخصومة لينبّها أبا بكر على غلطه ويوقفاه على خطيئته ويدلاّه على ظلمه في الميراث ولم يكونا في ريب من أمرهما.
فتحيّر يحيى ولم يطق جواباً، واستحسن الرشيد هذا البيان الرائع الذي تخلص به هشام[3].
وله مناظرات من هذا القبيل مع العالم النظام[4] ومع ضرار الضبي[5]فراجع مناظراته في موسوعة بحار الأنوار في ما يختص بحياة صحابة الإمام الكاظم(عليه السلام).
وهكذا استطاع أهل البيت(عليهم السلام) من خلال خيرة أصحابهم أن يحفظوا للاُمة المسلمة هويّتها ويدافعوا عن شخصيّتها المعنوية واستقلال كيانها الفكري والديني.
_____
اسألكم الدعاء