دُعَاء الامام زين العابدين ع بِالتَّحْمِيدِ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا
وَ كَانَ مِنْ دُعَائِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا ابْتَدَأَ بِالدُّعَاءِ بَدَأَ بِالتَّحْمِيدِ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ، فَقَالَ:
الحمد لله الاول بلا اول كان قبله ، و الاخر بلا اخر يكون بعده .الذي قصرت عن رؤيته ابصار الناظرين ، و عجزت عن نعته اوهام الواصفين .ابتدع بقدرته الخلق ابتداعا ، و اخترعهم علي مشيته اختراعا .ثم سلك بهم طريق ارادته ، و بعثهم في سبيل محبته ، لا يملكون تاخيرا عما قدمهم اليه ، و لا يستطيعون تقدما الي ما اخرهم عنه .و جعل لكل روح منهم قوتا معلوما مقسوما من رزقه ، لا ينقص من زاده ناقص ، و لا يزيد من نقص منهم زائد .ثم ضرب له في الحيوة اجلا موقوتا ، و نصب له امدا محدودا ، يتخطأ اليه بايام عمره ، و يرهقه باعوام دهره ، حتي إذا بلغ اقصي اثره ، و استوعب حساب عمره ، قبضه الي ما ندبه اليه من موفور ثوابه ، أو محذور عقابه ، ليجزي الذين اساؤا بما عملوا و يجزي الذين احسنوا بالحسني .عدلا منه ، تقدست اسماؤه ، و تظاهرت الاؤه ، لا يسئل عما يفعل و هم يسئلون .و الحمد لله الذي لو حبس عن عباده معرفة حمده علي ما ابلاهم من مننه المتتابعة ، و اسبغ عليهم من نعمه المتظاهرة ، لتصرفوا في مننه فلم يحمدوه ، و توسعوا في رزقه فلم يشكروه .و لو كانوا كذلك لخرجوا من حدود الانسانية الي حد البهيمية فكانوا كما وصف في محكم كتابه : إن هم إلا كالانعام بل هم اضل سبيلا .و الحمد لله علي ما عرفنا من نفسه ، و الهمنا من شكره ، و فتح لنا من ابواب العلم بربوبيته ، و دلنا عليه من الاخلاص له في توحيده ، و جنبنا من الالحاد و الشك في امره .حمدا نعمر به فيمن حمده من خلقه ، و نسبق به من سبق الي رضاه و عفوه .حمدا يضي ء لنا به ظلمات البرزخ ، و يسهل علينا به سبيل المبعث ، و يشرف به منازلنا عند مواقف الاشهاد ، يوم تجزي كل نفس بما كسبت و هم لا يظلمون ، يوم لا يغني مولي عن مولي شيئا و لا هم ينصرون .حمدا يرتفع منا الي اعلي عليين في كتاب مرقوم يشهده المقربون .حمدا تقربه عيوننا إذا برقت الابصار ، و تبيض به وجوهنا إذا اسودت الابشار .حمدا نعتق به من اليم نار الله الي كريم جوار الله .حمدا نزاحم به ملائكته المقربين ، و نضام به انبياءه المرسلين في دار المقامة التي لا تزول ، و محل كرامته التي لا تحول .و الحمد لله الذي اختار لنا محاسن الخلق ، و اجري علينا طيبات الرزق .و جعل لنا الفضيلة بالملكة علي جميع الخلق ، فكل خليقته منقادة لنا بقدرته ، و صائرة الي طاعتنا بعزته .و الحمد لله الذي اغلق عنا باب الحاجة إلا اليه ، فكيف نطيق حمده ؟ أم متي نؤدي شكره ؟ ! لا ، متي ؟ .و الحمد لله الذي ركب فينا الات البسط ، و جعل لنا ادوات القبض ، و متعنا بارواح الحيوة ، و اثبت فينا جوارح الاعمال ، و غذانا بطيبات الرزق ، و اغنانا بفضله ، و اقنانا بمنه .ثم امرنا ليختبر طاعتنا ، و نهانا ليبتلي شكرنا ، فخالفنا عن طريق امره ، و ركبنا متون زجره ، فلم يبتدرنا بعقوبته ، و لم يعاجلنا بنقمته ، بل تأنانا برحمته تكرما ، و انتظر مراجعتنا برأفته حلما .و الحمد لله الذي دلنا علي التوبه التي لم نفدها إلا من فضله ، فلو لم نعتدد من فضله إلا بها لقد حسن بلاؤه عندنا ، و جل احسانه الينا ، و جسم فضله علينا .فما هكذا كانت سنته في التوبة لمن كان قبلنا ، لقد وضع عنا ما لا طاقة لنا به ، و لم يكلفنا الا وسعا ، و لم يجشمنا إلا يسرا ، و لم يدع لاحد منا حجة و لا عذرا .فالهالك منا من هلك عليه ، و السعيد منا من رغب اليه .و الحمد لله بكل ما حمده به ادني ملائكته اليه و اكرم خليقته عليه و ارضي حامديه لديه .حمدا يفضل سائر الحمد كفضل ربنا علي جميع خلقه .ثم له الحمد مكان كل نعمة له علينا و علي جميع عباده الماضين و الباقين عدد ما احاط به علمه من جميع الاشياء ، و مكان كل واحدة منها عددها اضعافا مضاعفة ابدا سرمدا الي يوم القيمة .حمدا لا منتهي لحده ، و لا حساب لعدده ، و لا مبلغ لغايته ، و لا انقطاع لامده .حمدا يكون وصلة الي طاعته و عفوه ، و سببا الي رضوانه ، و ذريعة الي مغفرته ، و طريقا الي جنته ، و خفيرا من نقمته ، و امنا من غضبه ، و ظهيرا علي طاعته ، و حاجزا عن معصيته ، و عونا علي تأدية حقه و وظائفهحمدا نسعد به في السعداء من اوليائه ، و نصير به في نظم الشهداء بسيوف اعدائه ، إنه ولي حميد .