القاسم ابن الإمام الكاظم(عليهما السلام)
قرابته بالمعصوم
ابن الإمام الكاظم، وحفيد الإمام الصادق، وأخو الإمام الرضا، وعم الإمام الجواد(عليهم السلام).
اسمه ونسبه
القاسم بن موسى بن جعفر الصادق(عليهما السلام).
أُمّه
جارية، اسمها تكتم، وتُكنّى بأُمّ البنين.
ولادته
لم تُحدّد لنا المصادر تاريخ ولادته ومكانها، إلّا أنّه من أعلام القرن الثاني الهجري.
مكانته عند أبيه
كان الإمام الكاظم(عليه السلام) يحبّه حبّاً شديداً، حتّى أنّه أدخله في وصاياه، وقال في حقّه لأبي عُمارة: «أُخبرك يا أبا عُمارة، أنّي خرجتُ من منزلي فأوصيتُ إلى ابني فلان ـ أي الإمام الرضا ـ وأشركتُ معه بنيّ في الظاهر، وأوصيته في الباطن، فأفردته وحده، ولو كان الأمر إليّ لجعلتُه ـ أي أمر الإمامة ـ في القاسم ابني؛ لحبّي إيّاه ورأفتي عليه، ولكنّ ذلك إلى الله عزّ وجل، يجعله حيث يشاء»(1).
ولم يمنح الإمام(عليه السلام) هذا الحبّ للقاسم إلّا لأنّه رآه من خيرة أبنائه ورعاً وتقوىً وتحرّجاً في الدين.
هروبه من السلطة
لمّا استُشهد الإمام الكاظم(عليه السلام) في سجن هارون الرشيد توارى القاسم عن أعين السلطة العبّاسية، واختفى في منطقة سورا، وتُعرف اليوم بمدينة القاسم، فعاش هناك زمناً متخفّياً متنكّراً لا يُعرف نسبه، حتّى أباح بتعريف نفسه عند احتضاره؛ ليُعرف نسب ابنته، فتُؤخذ إلى بيت جدّتها في المدينة المنوّرة.
وقصّة هروبه وردت في كتاب شجرة طوبى كالآتي: «لمّا أشتدّ غضب الرشيد جعل يقطع الأيدي من أولاد فاطمة، ويسمل في الأعين، وبنى في الأسطوانات حتّى شرّدهم في البلدان، ومن جملتهم القاسم ابن الإمام موسى بن جعفر، أخذ جانب الشرق لعلمه أنّ هناك جدّه أمير المؤمنين(عليه السلام)، جعل يتمشّى على شاطئ الفرات وإذا هو ببنتين تلعبان في التراب، إحديهما تقول للأُخرى: لا وحقّ الأمير صاحب بيعة يوم الغدير ما كان الأمر كذا وكذا، وتعتذر من الأُخرى، فلمّا رأى عذوبة منطقها قال لها: مَن تعنين بهذا الكلام؟
قالت: أعني الضارب بالسيفين والطاعن بالرمحين أبا الحسن والحسين علي بن أبي طالب(عليه السلام). قال لها: يا بُنية، هل لكِ أن تُرشديني إلى رئيس هذا الحي؟
قالت: نعم، إنّ أبي كبيرهم. فمشت ومشي القاسم خلفها حتّى أتت إلى بيتهم، فبقي القاسم ثلاثة أيّام بعزّ واحترام، فلمّا كان اليوم الرابع دنى القاسم من الشيخ وقال له: يا شيخ، أنا سمعت ممّن سمع من رسول الله أنّ الضيف ثلاثة، وما زاد على ذلك يأكل صدقة، وإنّي أكره أن آكل الصدقة، وإنّي أُريد أن تختار لي عملاً اشتغل فيه لئلّا يكون ما آكله صدقة.
فقال الشيخ: أختر لك عملاً. فقال له القاسم: اجعلني أسقي الماء في مجلسك. فبقي القاسم على هذا إلى إن كانت ذات ليلة خرج الشيخ في نصف الليل في قضاء حاجة له، فرأى القاسم صافّاً قدميه ما بين قائمٍ وقاعد وراكع وساجد، فعظم في نفسه وجعل الله محبّة القاسم في قلب الشيخ، فلمّا أصبح الصباح جمع عشيرته وقال لهم: أُريد أن أُزوّج ابنتي من هذا العبد الصالح فما تقولون؟
قالوا: نِعم ما رأيت. فزوّجه من ابنته، فبقي القاسم عندهم مدّة من الزمان حتّى رزقه الله منها ابنة، وصار لها من العمر ثلاث سنين، ومرض القاسم مرضاً شديداً حتّى دنى أجله وتصرّمت أيّامه، جلس الشيخ عند رأسه يسأله عن نسبه وقال: ولدي لعلّك هاشمي؟
قال له: نعم، أنا ابن الإمام موسى بن جعفر(عليهما السلام). جعل الشيخ يلطم على رأسه وهو يقول: وا حيائي من أبيك موسى بن جعفر.
قال له: لا بأس عليك يا عمّ، إنّك أكرمتني وإنّك معنا في الجنّة، يا عم، فإذا أنا متّ فغسّلني وحنّطني وكفّني وأدفنّي، وإذا صار وقت الموسم حجّ أنت وابنتك وابنتي هذه، فإذا فرغت من مناسك الحجّ أجعل طريقك على المدينة، فإذا أتيت المدينة أنزل ابنتي على بابها، فستدرج وتمشي، فامش أنت وزوجتي خلفها حتّى تقف على باب دارٍ عالية، فتلك الدار دارنا، فتدخل البيت وليس فيها إلّا نساء، وكلّهن أرامل.
ثمّ قضى نحبه، فغسّله وحنّطه وكفّنه ودفنه، فلمّا صار وقت الحج حجّ هو وابنته وابنة القاسم، فلمّا قضوا مناسكهم جعلوا طريقهم على المدينة، فلمّا وصلوا إلى المدينة أنزلوا البنت عند بابها على الأرض، فجعلت تدرج والشيخ يمشي خلفها إلى أن وصلت إلى باب الدار، فدخلت فبقي الشيخ وابنته واقفين خلف الباب، وخرجن النساء إليها واجتمعن حولها، وقلن مَن تكونين؟ وابنة مَن؟ فلمّا قلن لها النساء: ابنة مَن تكونين؟ فلم تجبهم إلّا بالبكاء والنحيب، فعند ذلك خرجت أُمّ القاسم، فلمّا نظرت إلى شمائلها جعلت تبكي وتنادي: وا ولداه، وا قاسماه، والله هذه يتيمة ولدي القاسم، فقلن لها: من أين تعرفينها إنّها ابنة القاسم؟
قالت: نظرت إلى شمائلها لأنّها تشبه شمائل ولدي القاسم. ثمّ أخبرتهم البنت بوقوف جدّها وأُمّها على الباب، وقيل: إنّها مرضت لمّا علمت بموت ولدها، فلم تمكث إلّا ثلاثة أيّام حتّى ماتت»(2).
استحباب زيارته
قرن السيّد ابن طاووس(قدس سره) في كتابه مصباح الزائر زيارة القاسم ابن الإمام الكاظم(عليهما السلام) بزيارة أبي الفضل العباس ابن الإمام أمير المؤمنين(عليهما السلام)، وعلي الأكبر ابن الإمام الحسين(عليهما السلام)، حيث قال: «ذكر زيارة أبرار أولاد الأئمّة(عليهم السلام)، إذا أردت زيارة أحد منهم كالقاسم بن الكاظم والعباس بن أمير المؤمنين أو علي بن الحسين المقتول بالطفّ(عليهم السلام) ومَن جرى في الحكم مجراهم، تقف على المزور منهم...».
وهناك حديث مسموع مستفيض عن الإمام الرضا(عليه السلام) أنّه قال: «مَن لم يقدر على زيارتي فليزر أخي القاسم»(3).
من أقوال الشعراء فيه
1ـ قال الشيخ محمّد علي اليعقوبي(رحمه الله):
«يا سعد دع ذكر الأُولى قد اغضبوا ** أحمد في عترته لمّا مضى
إلى أن يقول:
فيا بنفسي وبأهلي افتدي ** سليل موسى وأخ المولى الرضا
القاسم الندب الذي في وجهه ** سنا النبيّ والوصيّ قد أضا
ذاك الذي فيه وفي آبائه ** جميع حاجات البرايا تُقتضى
إمامة الحقّ سواه لم يطق ** لولا الرضا في عبئها أن ينهضا
لم أنسه في كلّ حيّ خائفاً ** لم يرَ إلّا شانئاً ومبغضا
حتّى قضى ما بين قوم مادروا ** بأنّه ابن فاطم والمرتضى»
2ـ قال السيّد محمّد جمال الهاشمي(رحمه الله) قصيدة هي الآن منقوشة بالذهب على ضريح القاسم، نذكر بعض أبياتها الأُولى:
«إن رمتَ أن تحيا وعيشك ناعمُ ** فاقصد ضريحاً فيه حلّ القاسمُ
تُقضى به الحاجات وهي عويصة ** ويُردّ عنك السوء وهو مهاجم
فيه تُحلّ المشكلات فقبرهُ ** كالبيت في زوّاره متزاحمُ
مَن كابن موسى نال مجداً في الورى ** كالفجر في أنواره متلاطمُ
مَن جدّهُ خيرُ الأنام محمّد ** مَن أُمّه أُمّ الكواكب فاطمُ»
3ـ قال السيّد علي بن يحيى الحديدي الحسيني من أعلام القرن الحادي عشر:
«أيّها السيّد الذي جاء فيه ** قول صدق ثقاتنا ترويه
بصحيح الإسناد قد جاء حقّاً ** عن أخيه لأُمّه وأبيه
إنّني قد ضمنت جنّات عدن ** للذي زارني بلا تمويه
وإذا لم يُطق زيارة قبري ** حيث لم يستطع وصولاً إليه
فليزر في العراق قبر أخي ** القاسم وليُحسن الثناء عليه»(4).
وفاته
لم تُحدّد لنا المصادر تاريخ وفاته، إلّا أنّه تُوفّي في أواخر القرن الثاني الهجري، وقبره معروف يُزار، يقع في ناحية القاسم بين مدينتي الحلّة والديوانية.