نصائح طبيه
ولم تقتصر علوم اهل البيت ( عليهم السلام ) على أحكام الشريعة الاسلامية فقط وانما شملت جميع أنواع العلوم ، والتي منها علم الطب فقد كان الامام الرضا علية السلام علما من أعلامه ويدلل على ذلك بصورة واضحة هذه الرسالة التي سماها المأمون (بالرسالة الذهبية)
وقد وضعت البرامج العامة لاصلاح بدن الانسان ووقايته من الإصابة بالأمراض الذي هو القاعدة الأساسية للطب الوقائي في هذه العصور ، والذي يعد من أعظم الوسائل في تقدم الصحة وازدهارها.
وعلى أي حال فلا بدلنا من وقفة قصيرة للحديث عما يتعلق بهذه الرسالة مختصرا ذلك
أما محتويات رسالة الإمام ( عليه السلام ) حسب ما أدلى به المأمون فهي
:
أ ـ اصلاح الأجسام ، ووقايتها من الأمراض ، والتمتع بالصحة الكاملة فقد وضعت الرسالة البرامج العامة لذلك.
ب ـ تدبيره الحمام الذي هو من العناصر الأساسية للصحة فإنه كما يعنى بنظافة البدن ، كذلك يعنى في بث النشاط في جسم الانسان.
ج ـ تعديل الطعام الذي تبتنى عليه صحة الانسان ووقايته من الأمراض.
حيث قال الامام علية السلام
)) اعلم يا أمير المؤمنين (المامون)ان الله تعالى يبتل عبده المؤمن ببلاء حتى جعل له دواء يعالج به ، ولكل صنف من الداء صنف من الدواء وتدبير ونعت ذلك ....)).....
وقال في منتصف الرسالة (واعلم يا أمير المؤمنين أن الجسد بمنزلة الأرض الطيبة متى تعوهدت بالعمارة والسقي من حيث لا يزداد في الماء فتغرق ، ولا ينقص منه فتعطش دامت عمارتها ، وكثر ريعها وزكى زرعها ، وان تغوفل فسدت ، ولم ينبت فيها العشب فالجسد بهذه المنزلة ، وبالتدبير في الأغذية والأشربة يصلح ، ويصلح ، وتزكو العافية.
فانظر يا أمير المؤمنين ما يوافقك ، ويوافق معدتك ، ويقوى عليه بدنك ، ويستمريه من الطعام ، فقدره لنفسك ، واجعله غذاءك.
واعلم يا أمير المؤمنين ان كل واحدة من هذه الطبايع تحب ما يشاكلها فاغتذ ما يشاكل جسدك ، ومن أخذ من الطعام زيادة لم يغذه ، ومن أخذه بقدر لا زيادة عليه ولا نقص في غذائه نفعه ، وارفع يديك منه ، وبك إليه بعض القرم ، وعندك إليه ميل فإنه أصلح لمعدتك ولبدنك ، وأزكى لعقلك ، وأخف لجسمك ...))
ووضع الإمام الحكيم المنهج العام للصحة العامة ، وأساسها التوازن ، وعدم الاسراف في الأكل والشرب ، وقد أعلن القرآن هذه القاعدة في حفظ بدن الانسان ووقايته من الإصابة بالأمراض قال تعالى (( كلوا واشربوا ولا تسرفوا ))
ويقول باقر القرشي (( إن الجهاز الهضمي من أهم أجهزة الانسان ، وأكثرها حيوية وحساسية وهو يتأثر بالاسراف في الاكل الذي تنجم منه السمنة التي هي من أعظم الآفات المدمرة لبدن الانسان.
ان العناية بالتغذية خصوصا في مقتبل العمر لها تأثير كبير على الحالة الصحية في السنوات التالية كما تطيل في فترات الشباب))
لقد أكد الإمام ( عليه السلام ) على ضرورة عدم الاسراف في الطعام وان يرفع الانسان يده منه وعنده ميل إليه فان ذلك أجدي في حفظ صحته ووقايته من الإصابة بالأمراض.
ان الافراط في الاكل يؤدي إلى السمنة ، وهي تسبب ما يلي :
أ ـ عجز القلب.
ب ـ ارتفاع الضغط الدموي.
ولننتقل لفصل آخر من هذه الرسالة حول تنظيم الاكل الذي تبتني عليه أسس الصحة العامة
قال ( عليه السلام ) : واعلم يا أمير المؤمنين كل البارد في الصيف ، والحار في الشتاء المعتدل في الفصلين على قدر قوتك وشهوتك ، وابدأ بأول الطعام بأخف الأغذية التي تغتذي بها بدنك بقدر مادتك ، وبحسب طاقتك ونشاطك ، وزمانك الذي يجب أن يكون اكلك في كل يوم عندما يمضي من النهار ثمان ساعات أكلة واحدة ، أو ثلاث أكلات في يومين ، تتغذى باكرا في أول يوم ، ثم تتعشى ، فإذا كان في اليوم الثاني عند مضي ثمان ساعات من النهار أكلت أكله واحدة ، ولم تحتج إلى العشاء ، كذا أمر جدي محمد ( صلى الله عليه وآله ) عليا ( عليه السلام ) في كل يوم وجبة وفي غده وجبتين ، وليكن ذلك بقدر لا يزيد ولا ينقص ، وارفع يديك من الطعام وأنت تشتهيه ، وليكن شرابك على أثر طعامك ...))
ونذكر الآن ما ينبغي ذكره من تدبير فصول السنة ، وشهورها الرومية الواقعة فيها في كل فصل على حدة وما يستعمل من الأطعمة والأشربة ، وما يجتنب منه ، وكيفية حفظ الصحة من أقاويل القدماء ....
وهذا المقطع مقدمة تمهيدية إلى بيان ما يتناوله الانسان في فصول السنة ، وما يجتنب عنه فيها.
قال ( عليه السلام ) : اما فصل الربيع فإنه من روح الزمان ، وأوله : ( آذار ) وعدة أيامه ثلاثون يوما ، وفيه يطيب الليل والنهار ، وتلين الأرض ، وتذهب سلطان البلغم ، ويهيج الدم ، ويستعمل من الغذاء اللطيف واللحوم ، ويتقى فيه اكل البصل والثوم والحامض ، ويستعمل فيه شرب المسهل ، ويستعمل فيه الفصد والحجامة ....
عرض الامام إلى فصل الربيع وهو من أزهى فصول السنة ، ومن أكثرها عائدة على الكائنات الحية ، وما أروع قول الإمام ( عليه السلام ) انه روح الزمان ، ففيه يطيب الليل والنهار ، وتلين الأرض ويهيج الدم ، وقد حذر الامام من تناول البصل والثوم والحامض لأنها تسبب أمراضا سوف يكشفها الطب الحديث ، كما ندب الامام إلى شرب المسهل ، وأخذ شئ من الدم بالفصد أو الحجامة.
قال ( عليه السلام ) : ( نيسان ) ثلاثون يوما يطول فيه النهار ، ويقوي مزاج الفصل ويتحرك الدم ، وتهب فيه الرياح الشرقية ، يستعمل فيه من المآكل المشوية ، وما يعمل بالخل ولحوم الصيد ، وتعالج بالجماع والتمريغ بالدهن في الحمام ، ويشرب الماء على الريق ، ويشم الرياحين والطيب
عرض الإمام ( عليه السلام ) إلى شهر نيسان ، وذكر مميزاته وهي :
1 ـ طول النهار ، وقصر الليل.
2 ـ قوة المزاج.
3 ـ تحرك الدم.
4 ـ هبوب الرياح الشرقية.
وقد ندب الامام إلى تناول المآكل المشوية ، وما يطبخ بالخل مع لحوم الصيد ، فان ذلك يعود بفائدة على الجسم ، كما ندب إلى دخول الحمام ، وتمريغ البدن بالدهن ، وأوصى بشرب الماء على الريق ، ذلك لما له من الأثر في تنظيف المجاري البولية ، وإزالة الرمل منها.
قال ( عليه السلام ) : ( أيار ) واحد وثلاثون يوما ، تصفو فيه الرياح ، وهو آخر فصل الربيع ، وقد نهي فيه عن الملوحات واللحوم الغليظة كالرؤوس ولحوم البقر ، واللبن ، وينفع فيه دخول الحمام أول النهار وتكره فيه الرياضة قبل الغداء ....
أما أيار فهو على أعتاب الصيف ، والجهاز الهضمي لا يتحمل الأغذية الثقيلة خصوصا إذا بلغ الانسان مرحلة الشيخوخة ، فان تناول اللحوم الغليظة يؤدي إلى الاضرار الجسيمة كالإصابة بالضغط الدموي وغيره.
قال ( عليه السلام ) : ( حزيران ) ثلاثون يوما يذهب فيه سلطان الدم ، ويقبل زمان المرة الصفراء ، وينهى فيه عن التعب ، واكل اللحم دائما ، والاكثار منه ، وشم المسك والعنبر ، وينفع فيه أكل البقول الباردة ، كالهندباء ، والبقلة الحمقا ، واكل الخضر كالخيار والشيرخشت ، والفاكهة الرطبة ، واستعمال المحمضات ، ومن اللحوم المعز الثني ، والجدي ومن الطيور الدجاج ، والطيهوج ، والدراج ، والألبان والسمك الطري ....
أما حزيران فهو أول شهور الصيف ، وتضعف فيه الأبدان لأنها تواجه قسوة الحر ، ومرارته ، وقد اكد الإمام ( عليه السلام ) على اجتناب ما يلي :
1 ـ عدم التعب.
2 ـ عدم تناول اللحم بكثرة.
3 ـ أكل الخضروات ، والفواكه ، وذلك للطافتها ، وعدم ثقلها. قال ( عليه السلام ) : ( تموز ) : واحد وثلاثون يوما فيه شدة الحرارة ، وتغور المياه ، ويستعمل فيه
أما تموز فهو من أثقل فصول السنة ، وأشدها قسوة على الانسان وذلك لشدة الحر الذي يسبب غور المياه ، وقد اكد الإمام ( عليه السلام ) على استعمال الأشياء الباردة ، واكل الأطعمة الخفيفة السريعة الهضم حتى لا يتأثر الجهاز الهضمي بها ، كما أكد الإمام ( عليه السلام ) على شم الرياحين الباردة الطيبة الرائحة وذلك لما لها من الأثر الفعال على الجهاز العصبي.