المعلم والطالب .. وأسباب العنف المتبادل
للمعلم دوراً هاماً وخطيراً فى المجتمع , فهو رمز قوة الأمة وعنوان حضارتها ,وعليه تقع مسؤلية عظيمة جداً هي تغذية الفكر بالعلم والمعرفة ، وتنشئة الأجيال ليخدموا أنفسهم ودينهم ووطنهم, فمهنة التربية والتعليم تعتبر من أكثر المهن تاثيراً فى المجتمع لأنها مهنة تربوية تلتصق تعاليمها وإرشاداتها بعقول الأطفال وتكوينهم النفسى ولذلك قد تكون تلك المهنة سبباً فى إصلاح المجتمع أو إفساده.
قديماً كانت العلاقة بين المعلم والطالب علاقة ايجابية ودية, قائمة على الإحترام المتبادل والثقة المشتركة ,كما كانت المجتمعات تنظر الى العلماء على أنهم ورثة الأنبياء ولهم كل الإحترام والتبجيل ,حتى أفرد أعظم الشعراء لهم أبياتاً شعرية تؤكد مكانتهم العظيمة وفى هذا السياق قال أمير الشعراء احمد شوقي :
قم للمعلم وفه التبجيلا…………………… كاد المعلم أن يكون رسولا
ولكن بمرور الزمن تغيرت نظرة المجتمع خاصة فى الوطن العربى نحو المعلم والتعليم ,حتى أصبح إحترام المعلمين فضيلة مفقودة لدى معظم الطلاب ,مفتقدين لهيبتهم داخل الفصول مما جعلهم أكثر حدة فى التعامل مع الطلاب ,فما يلبس المعلم يصدر أمراً لأحد الطلاب إلا ويعقبه صفعه على وجه أحدهم، أو توجيه بعض الشتائم والسباب لأخر ,وربما يتطور الأمر الى أن ينتج عنه إصابات بالغة للطلاب أوحالات وفاة ,وربما أيضاً تبادل العنف بين المعلم والطالب والذى قد يسفر عن إصابة المعلم أو التسبب فى مقتله.
فلماذا هذا العنف المتبادل بدأ فى الإنتشار ,,, وماهى الأسباب التى وراء تدهور العلاقة بين المعلم وطلابه ؟؟
فى البداية لابد أن نؤكد على أن طبيعة العلاقة بين المعلم والطالب هى إنعكاس للأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية فى المجتمع ,بالإضافة الى تأثير التطور التكنولوجى والثورة المعلوماتية من شبكات إنترنت ووسائل الإتصال الإجتماعية والتوجهات الإعلامية على التكوين النفسى والإجتماعى للطلاب ,والتى إثرت تأثيراً بالغاً فى تمييع الشباب ومسخ هويتهم الأصيلة وغرس مفاهيم بعيدة عن القيم والمثل العليا فجعلت من الشخصيات التافهة مثلاً أعلى يحتذى به , وصار العلم والعلماء موضة قديمة فغابت القدوة .
لذلك كان على المعلم وعلى المسؤلين عن العملية التعليمية تدارك هذا الأمر وإصلاح ما أفسدته المؤثرات الخارجية التى أثرت بشكل مباشر على سلوكيات وردود أفعال الطلاب والمعلمين والتعامل معها بإيجابية فكان يجب على المعلم أن يغني قدراته ويثري نفسه دوماً ويحرص على تحلى بالأخلاق الحميدة ,وأن يحسن إختيار أصدقائه ومرافقيه والقيام بدور القدوة في العبادات والسلوك والفكر حتى يصبح لطلابه القدوة التى يقتدى بها ويخطف أنظارهم وألبابهم ويحظى بإحترامهم ,وعليه أن يكون دائما في صورة مرموقة من حيث الشكل والمضمون، محترماً لفظاً وأداء، ملتزما حريصا على صورته وسلوكه مخلصاً في إعداد دروسه، وعرض الدرس بطريقة جاذبة لتلاميذه ,والتوصيل الجيد والموضوعية في التعامل مع تلاميذ الفصل، بمساواة وعدالة وبذل كل الجهد في جعلهم يستوعبون دروسهم.
كما يجب أيضاً التشديد على الطلاب ومحاولة إعادة زرع الأخلاق الحميدة التى إفتقدها البعض منهم والتأكيد على إحترام وتقدير المعلم والتحدث إليه بشكل محترم وانتقاء الألفاظ جيدا وعدم الاعتراض أو التبرم، والبر به والوفاء له والاعتراف بجميله وفضله ومعاملته معاملة الوالد وأكثر.
وإذا أردنا معرفة على من تقع مسؤلية تدهور العلاقات بين المعلم والطالب والتى وصلت فى بعض الأوقات الى العنف فسنجد أنه يقع على المعلمين جزء من هذه المسؤولية كما ذكرتها سابقاً ,ولكن هناك أطراف آخرى ساعدت على تنامى تلك الظاهرة فى مجتمعاتنا العربية من ضمنها مثلث الدمار المجتمعى المتمثل فى ” الفقر والجهل والمرض” والتى يتمخض عنها التلوث بكافة أشكاله والتى يأتى فى مقدمتها التلوث الأخلاقى الذى هو منبع كل الموبقات , بالإضافة الى إنتشار ثقافة العنف فى المجتمع المصدرة عبر قنوات صناعة الثقافة العامة كالسينما والاعلام والتى رسمت صورة ساخرة عن المعلم فى الأفلام والمسلسلات جعلت منه أضحوكة وبررت التجاوزات ضده , كذلك ضياع هيبة المعلم نتيجة تدنى اوضاعه الاجتماعية والإقتصادية وإنتشار آفة الدروس الخصوصية , وإستغلال الطلاب للقرارات الحكومية الخاصة بمنع العقاب البدنى فى المدارس إستغلالاً سيئاً اضر بمكانة المدرس وجعلته فريسة للطلاب ولأولياء أمورهم , وإهمال الدولة لمؤسسات التعليم الحكومى المدعم والاهتمام بالتعليم الخاص , و تخلف المناهج وطرق التدريس وانحسار الانشطة المدرسية داخل الفصول وعدم توفر الادوات اللازمة لممارسة الانشطة بشكل فاعل وحقيقى يؤدى الى العنف المتبادل .
لذلك اتمنى أن يتدارك القائمين على العملية التعلمية تلك النقاط المسببة لإنتشار ظاهرة العنف فى المراحل الدراسية ودراستها وإتخاذ قرارت مدروسة للإصلاح