هَذا الَكونُ أَوسَعُ مِن عَقلِكَ المَحدودِ بِكَثِير فَأَنتَ مُجَرَّدُ عَقلٍ مُفرَدٍ ضِمن كَونٍ وَاسِعٍ مُتَبَاعِد الأَطراف , إن ادراكك لا يَستَطِيعُ الالمامَ بِأَبعادِ هذِهِ البَسِيطة عَلى أَقل تَقدِير , فَكَيفَ لَكَ أَن تُلم بالحَقِيقَة الصَّريحة الكاملة التي خلق الكون من أجلها , التي رُبما تحتاج إلى أن تصل الى بِداياتها الكَثير مِن الاجتِهادات والبَحث والاستزادة فِي العلم , وحَتى إن وَصَلتَ الى البدايات فهذا لا يَعنِي أنك قد لامَستَ أطرافها , بَل هُنالك أيضاً نِسبيّة تَفرِضُ نَفسها عَليك , فَرُبّما كُنتَ مُخطِئَا وَرُبّما كُنتَ عَلَى الحق .

عَلى سَبِيل المِثال : حِينما كُنت فِي العَاشِرَة مِن عُمُري أَخبَرني سَبعينِي بِحَقِيقَة مُعينة , فَأنا أحتاج الى سِتين عَاماً لأَردم تِلكَ المَساحة بَينِي وبَينه فِي الخِبرة الحَياتية والمجتمعية لأستَطيع فَهم تِلك الحقيقة بالشكل الكامِل الصَّحيح , ورُبما تُسَاعِدُني الحَياة والقُدرة العَقلية عَلى أن اردِمها بوقت أقصر بكثير , فَكيف لك أن تحاول رَدم الهوّة التي بينك وبين خالق السماوات والأرض .

الفلسَفَة والعُلوم الكَونية إنما هِي اقتراب مِن حَقيقة الله تعالى فَهِي التي تَكشِفُ الغِطَاء عَنه وعن ذاك اللغز الفَلسَفِي الأَزلي المُحيّر الذِي جَعَل مِن الأمم السّابقه تَبحَثُ عَنه حَتَى فِي عِبَادة الشَّمس والقَمَر والجَمَادات .

أتحَدَثُ عَن ذلك لأَسبابٍ كَثِيرَة تُواجِهُنا اليَوم فَكَم مِن مُتحذلقٍ يشدُّ عَلى الأَحرف وَيَجزِم تَفسيرَهُ للكون وللأديان وكَأَنَّه يَتَحدَّثُ بِلسان الله سبحانه وتعالى , إن الحقيقة الكَامِلة لا تتواجد إلا مَع الحَق الذي أحاط عِلمُه كلّ شيء , فهو الذي يُجزي عِباده ويُجازيهم عَلى معاصيهم وذنوبهم وتعاملاتهم على قَدرِ نطاق فهمهم لدينهم ولشَريعَتِه في هذا الكون .