أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي كصلاته تمامًا؛ لأن الصلاة عبادة موقوفة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز لنا فيها الإضافة، أو الحذف، أو التغيير؛ وقد روى البخاري عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «.. وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي..». وكان الصحابة يرقبون ذلك ليُقَلِّدوه بدقَّة؛ ومن ذلك ما لاحظه الصحابة من سكوت الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض اللحظات أثناء إمامته للصلوات الجهرية؛ فقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَبَيْنَ القِرَاءَةِ إِسْكَاتَةً -قَالَ أَحْسِبُهُ قَالَ: هُنَيَّةً- فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِسْكَاتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: «أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ، كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالبَرَدِ».
وروى الترمذي -وقال أحمد شاكر: صحيح- عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَكْتَتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ رضي الله عنه، وَقَالَ: حَفِظْنَا سَكْتَةً. فَكَتَبْنَا إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه بِالمَدِينَةِ، فَكَتَبَ أُبَيٌّ: أَنْ حَفِظَ سَمُرَةُ. قَالَ سَعِيدٌ: فَقُلْنَا لِقَتَادَةَ: مَا هَاتَانِ السَّكْتَتَانِ؟ قَالَ: «إِذَا دَخَلَ فِي صَلَاتِهِ، وَإِذَا فَرَغَ مِنَ القِرَاءَةِ». ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَإِذَا قَرَأَ: {وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]، قَالَ: «وَكَانَ يُعْجِبُهُ إِذَا فَرَغَ مِنَ القِرَاءَةِ أَنْ يَسْكُتَ حَتَّى يَتَرَادَّ إِلَيْهِ نَفَسُهُ».
فهذه في الواقع ثلاث سكتات؛ الأولى بعد تكبيرة الإحرام لقول دعاء الاستفتاح، والثانية بعد الانتهاء من الفاتحة ليعطي الفرصة للمأمومين أن يقرءوها، والثالثة بعد الانتهاء من قراءة السورة التي تلي الفاتحة لكي يستردَّ نفسه، فهذه هي سُنَّته التي يجب أن نحرص عليها.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
المصدر : كتاب " إحياء354 " للدكتور راغب السرجاني