القاهرة ـ روتانا
مع تزايد الإقبال على شبكة الإنترنت وسوء استخدامها متمثلاً في قضاء وقت طويل في الإبحار فيها، ظهر ما يسمى "إدمان الإنترنت"، كظاهرة لا مجال لتجاهلها من قبل الدارسين والباحثين، لهذا أجريت دراسات ومؤتمرات علمية ودوريات متخصصة عدة، لبحث ودراسة الآثار النفسية والاجتماعية والجسمية لسوء استخدام شبكة الإنترنت،
وكان من أهمها تقرير طبي خطير يشير إلى أن جلوس الإنسان أمام الكمبيوتر، يؤدي إلى موت الملايين من خلايا الدماغ، وكلما كانت الفترة التي يجلسها الإنسان أطول كانت الخسائر أكبر بكثير، فقد أشار التقرير إلى أن الجلوس لمدة 17 ساعة متواصلة أمام شاشة الكمبيوتر، يؤدي إلى موت 420 مليون خلية من خلايا الدماغ.
واستند التقرير في ذلك إلى ما تصدره شاشة الحاسوب من أنواع الإشعاعات الضارة على المخ، أهمها: الأشعة السينية، والأشعة تحت الحمراء، والأشعة فوق البنفسجية، وكذلك موجات المايكروويف.
المستقبل مجهول
وربما يؤثر ذلك في قدرة الدماغ مستقبلاً، وهذه من الصعب تخمينها في الوقت الحاضر؛ لأن تأثيرها قد يأخذ سنوات قبل أن تظهر نتائج ذلك، إذ لا توجد أي إشارات طبية في الوقت الحاضر، إلى ما سيحصل لخلايا دماغك في المستقبل، إن واظبت على استهلاك هذه الخلايا وقتلها بالجلوس لفترات طويلة أمام الكمبيوتر! ومكمن الخطورة هنا أن ينتشر الخرف المبكر بين مدمني الكمبيوتر.
الإدمان النفسي
في السياق ذاته، خرجت بحوث نفسية تؤكد أن الاستخدام المبالغ فيه لشبكة الإنترنت يسبب إدماناً نفسياً يشبه نوعاً ما في طبيعته الإدمان الذي يسببه التعاطي الزائد على الحد للمخدرات والكحوليات، حيث وجد الباحثون تلفاً في أنسجة المادة البيضاء التي تربط الأقسام المتخصصة بالعواطف والانتباه وصنع القرارات، عند تحليلهم صوراً إشعاعية أجريت لمعرفة نشاط الدماغ عند شباب من مدمني الإنترنت مقارنة بأقرانهم، وهي نفس نتائج الأشعة التي خضع لها مدمنون آخرون بينهم مدمنو الكحول والكوكايين.
ورغم أن هذا النوع من الإدمان لم يصنف بعد ضمن قائمة الأمراض النفسية المعروفة، إذ لم يتفق أطباء النفس جميعاً على وجود "إدمان الإنترنت" باعتباره مرضاً قائماً بذاته، ويعتبره البعض اشتقاقاً من حالات إدمان أخرى مثل إدمان الشراء أو المقامرة.
وفي الحديث عن إدمان الإنترنت لابد أن نسأل أنفسنا هل نندرج تحت قائمة مدمنيه؟ وماذا يعني مصطلح "إدمان الإنترنت"؟
"إدمان الإنترنت"
إن أول من وضع مصطلح "إدمان الإنترنت" هي عالمة
النفس الأمريكية كيمبرلي يونج التي تعد من أول أطباء النفس
الذين عكفوا على دراسة هذه الظاهرة في أمريكا منذ عام 1994، وتعرف يونج إدمان الإنترنت بأنه استخدام الإنترنت أكثر من 38 ساعة أسبوعياً، كما أنها قامت عام 1999 بتأسيس وإدارة "مركز الإدمان على الإنترنت" لبحث وعلاج هذه الظاهرة، وأصدرت كتابين حولها هما "الوقوع في قبضة الإنترنت"، و"التورط في الشبكة"، وكانت يونج قد قامت في التسعينات بأول دراسة موثقة عن إدمان الإنترنت شملت نحو 500 مستخدم، تركزت حول سلوكهم أثناء تصفحهم الشبكة، حيث أجاب المشاركون في الدراسة بنعم على السؤال الذي وجه لهم وهو: عندما تتوقف عن استخدام الإنترنت؟ هل تعاني من أعراض الانقطاع كالاكتئاب والقلق وسوء المزاج؟
وقد جاء في نتائج هذه الدراسة أن المشمولين في الدراسة قضوا على الأقل 38 ساعة أسبوعياً على الإنترنت، مقارنة بنحو خمس ساعات فقط أسبوعياً لغير المدمنين، كما أشارت الدراسة إلى أن من يمكن وصفهم بمدمني الإنترنت، لم يتصفحوه من أجل الحصول على معلومات مفيدة لهم في أعمالهم أو دراساتهم، وإنما من أجل الاتصال مع الآخرين والدردشة معهم عبر الإنترنت.
أعراض عدة
وقد أظهرت دراسات عدة أن تلك الأعراض النفسية والاجتماعية لإدمان الإنترنت تشمل الوحدة، والإحباط، والاكتئاب، والقلق، والتأخر عن العمل، وحدوث مشكلات زوجية وفقدان للعلاقات الأسرية الاجتماعية، مثل قضاء وقت كاف مع الأسرة والأصدقاء.
والأعراض الجسدية تشمل التعب والخمول والأرق، والحرمان من النوم، وآلام الظهر والرقبة، والتهاب العينين، وعلى وجه الخصوص فإن زيارة المواقع الإباحية يؤدي للإثارة الجنسية والكبت الجنسي وظهور مشكلات اجتماعية وأسرية عدة، أما عن تأثير استخدام الإنترنت الزائد على الحد في الأطفال، فقد أشارت الدراسات إلى أنه يؤدي للعزلة الاجتماعية، أو اضطرابات في النوم، أو مشكلات دراسية واجتماعية،
وذلك كنتيجة لدخول الأبناء أو البنات ـ دون علم الوالدين ـ على المواقع الإباحية الممنوعة أو مواقع الدردشة، أو توقفهم عن ممارسة أنشطة وهوايات أخرى كالقراءة وممارسة ألعاب رياضية، أو حدوث نوبات غضب وعنف عند محاولة الوالدين وضع ضوابط لاستخدام الشبكة، وهذا قد يؤدي ببعضهم إلى التحايل على الآباء للدخول على الشبكة وقضاء أوقات طويلة لممارسة ألعاب الكمبيوتر.
إشكالية إدمان الإنترنت تكمن في أن معظم مستخدمي الإنترنت لا يعرفون حدود أو خطورة هذه الظاهرة، وبالتالي فهم عُرضة لخطر الإدمان دون أن يشعروا بذلك، ولذا فقد بدأت جامعات ومراكز بحوث أمريكية عدة تعريف وتوعية الأفراد والطلاب بطبيعة إدمان الانترنت، من خلال عقد الندوات العلمية وتقديم المشورة على اعتبار أن إدمان الإنترنت لا يختلف عن غيره من أنواع الإدمان الأخرى.