خَلَقَ اللهُ الإنسان مجبولًا على بعض الصفات، وأَمَرَه سبحانه بضدِّها؛ وذلك اختبارًا له وابتلاءً؛ ومن هذه الصفات صفة "العَجَلَة"؛ فقد قال تعالى: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا} [الإسراء: 11]، وقال: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37]؛ ومع ذلك فقد جاء الأمر الرباني واضحًا بعدم العجلة؛ فقد قال سبحانه: {سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ} [الأنبياء: 37]، وقال: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل: 1]، وغير ذلك كثير في القرآن، وقد جاءت السُّنَّة النبوية داعمة لصفة "الأناة"؛ أي التؤدة وعدم التعجُّل، حتى يُصبح هذا سمْتًا عامًا للمسلم لا يُخالفه إلا في الاستثناءات؛ فقد روى الترمذي -وقال الألباني: حسن- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ المُزَنِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «السَّمْتُ الحَسَنُ، وَالتُّؤَدَةُ، وَالِاقْتِصَادُ، جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ». وأحبَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هذه الصفة في أحد الصحابة فمدحه بها؛ فقد روى مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: .. وَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ رضي الله عنه: «إِنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ». وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب لنا الأناة في الدعاء، فلا نستعجل الإجابة؛ فقد روى البخاري عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي». بل وفي السعي إلى صلاة الجماعة مع أهميتها؛ فقد روى البخاري عن أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: «مَا شَأْنُكُمْ؟» قَالُوا: اسْتَعْجَلْنَا إِلَى الصَّلاَةِ؟ قَالَ: «فَلاَ تَفْعَلُوا إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا». فليكن هذا هو سَمْتنا، ولتكن هذه هي طريقتنا. ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54]. المصدر : كتاب " إحياء354 " للدكتور راغب السرجاني