و من حكمه عليه السّلام و هى الحكمة الاولى
قال عليه السّلام : كن في الفتنة كابن اللّبون ، لا ظهر فيركب و لا ضرع فيحلب .
المعنى
فسّر الشراح كلمة الفتنة على مفهومها العرفي ، و هو الاضطراب الواقع بين جماعة أو أمّة لغرض ، و الأكثر أن يكون سياسة أو وسيلة لكسب الأمرة و القوّة و حيازة مقام الامامة ، و فسّروا الدستور بتكلّف الانزواء و العزلة و الخمول و عدم التدخل في الأمور ، و خصّصها ابن أبي الحديد بالخصومة بين رئيسين ضالّين يدعوان كلاهما إلى ضلالة كفتنة عبد الملك و ابن الزبير ، و فتنة مروان و الضحاك ، و فتنة الحجاج و ابن الأشعث و نحو ذلك ، قال : و أما إذا كان أحدهما صاحب حقّ فليست أيّام فتنة ، كالجمل و صفّين و نحوهما ، بل يجب الجهاد مع صاحب الحقّ .
أقول : المقصود من الفتنة أعمّ و المراد من الدستور أمر أتمّ ، و ليس غرضه عليه السّلام الأمر بالانزواء و العزلة و الاستراحة إلى الخمول و التغافل و الغفلة بل المقصود الحذر عن التعاون مع دعاة الفتنة و شدّ أزرهم في مقاصدهم الفاسدة و محقّ الحق ، سواء كان الفتنة لغرض سياسى كما مثّل ، أو لغيره كما في فتنة خلق القرآن في أيّام المأمون ، و سواء كانت لتخاصم بين ضالّين كما ذكر ، أو تخاصم الحقّ و الباطل كفتنة السقيفة و الجمل و صفّين .
فالمقصود الحذر من إعانة المفتنين ، و تأييد أغراض المبطلين و أمر عليه السّلام بالتمسك بالحقّ في كلّ حين على ما يجب على المسلمين ، و لا عزلة في الإسلام و لا خمول للمسلم ، بل يجب عليه القيام ، كما قال عزّ من قائل ( 46 : السباء ) قل إنّما أعظكم بواحدة أن تقوموا للّه مثنى و فرادى ، و لا مندوحة عن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، بل يجب الكفاح عن الحقّ بما تيسّر في كلّ زمان و مكان .
( منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة )