بطل ابطال اسيا والعالم في كمال الأجسام عباس الهنداوي
ما عرضته قناة البغدادية الفضائية في برنامجها اليومي (يسعد صباحك يا عراق), كان مقدم البرنامج يجري مقابلاته الصباحية في ضاحية من ضواحي العاصمة بغداد, ويتلفت مترقبا حائرا بين مجموعة من الناس البسطاء, الذين التفوا حوله في الصباح الباكر ليعبروا عن همومهم وأحزانهم ومعاناتهم, وليستعرضوا مشاكلهم الحياتية التي لا تنتهي,
كانت القناة تنقل لنا نقلا حيا مباشرا من عدساتها الرقمية الموجهة لالتقاط هذه المشاهد المزرية, ورصد اللقطات المؤلمة, فجأة اقتحم الزحام رجل ضخم البنيان تجاوز العقد السادس من العمر, ظهر وكأنه خرج توا من زنازين التعسف والخذلان, لينشر أمام الكاميرات مجموعة من الصور الكبيرة المؤطرة لبطل أبطال العراق والعرب, وبطل أبطال آسيا برياضة كمال الأجسام, البطل الذي أذهل الدنيا في سبعينات وثمانينات القرن الماضي بانجازاته الاعجازية الباهرة.
استمر الرجل باستعراض الصور والمجلات التي أشادت بأمجاد ذلك البطل, ثم صاح بأعلى صوته: يا ناس, يا عالم, أتعرفون منو هذا البطل اللي رفع اسم العراق والعرب في المحافل الدولية الرياضية, وحاز على أغلى وأعلى وارفع وأروع الأوسمة والميداليات ؟؟, أتعرفونه لو لا ؟؟), صاح الجميع: نعم هذا بطل أبطال آسيا عباس الهنداوي, منو ما يعرفه ؟؟
فرد عليهم الرجل بصوت جريح بائس: هذا هو أنا المحروم المظلوم المخذول المسحوق عباس الهنداوي, شوفوا حالي, مفلس ومريض وتعبان, وماكو بجيبي فلوس أروح بيها لبيتنا, واشتغل أغسل مواعين بمطاعم بغداد, وعندي عائلة كبيرة ما أكدر أدبّر عيشتهم. هاي تمثيلية جديدة عباس الهنداوي يغسل مواعين بمطعم, وما عنده فلوس أجرة الباص ؟؟, شنو صار بالدنيا ؟؟, لا هاي صدك مهزلة وفضيحة.
هل وصل بنا الحال إلى المستوى الذي صرنا فيه لا نحسن التعامل حتى مع أبطالنا ورموزنا ونجومنا, ولا نحترم ماضينا ولا حاضرنا ولا مستقبلنا ؟؟.
ألم تعلم مؤسساتنا الرياضية بسر التسابق المحموم بين الحكومات الخليجية, التي راحت تحث الخطى لمنح جنسيتها المغلفة بالإغراءات المالية السخية, ووهبتها لنجوم الألعاب الرياضية المنحدرين من أصول افريقية ولاتينية, بهدف استغلال جهودهم ومواهبهم ومهاراتهم في اعتلاء منصات التتويج والتكريم, وبهدف رفع أعلام الأقطار الخليجية في فضاءات الملاعب الرياضية, وتسجيل الأرقام القياسية بأسمائها في المنافسات العالمية المفتوحة,
وخير دليل على هذه السياسة الرياضية هو فوز العداء البحريني الجنسية, المغربي الأصل (رشيد رمزي) في اولمبياد بكين, حينما أحرز الميدالية الذهبية في سباق 1500 متر, وانضمام مجموعة من اللاعبين الأجانب إلى صفوف المنتخب القطري لكرة القدم, نذكر منهم سباستيان سوريا, وفابيو سيزار, وماركوني أميرال, والعداء صامويل فرانسس, وانضمام النيجيري جيسي جون, وعبد الله فاتاي إلى المنتخب البحريني,
وكانت هذه هي السياسة التي انتهجتها الأقطار الخليجية في تغذية نواديها ومنتخباتها بالطاقات الرياضية الإبداعية ورفدها بالدماء الجديدة, وشمولها بالرعاية والعناية والاهتمام,
اما بالنسبة لنا فيبدو الوضع مأسويا ومختلفا من جميع جوانبه, وخير مثال على ذلك هو هذا الرجل العملاق, العراقي الحسب والنسب, العربي الأصل والفصل, الذي يقف اليوم منكسرا في الشارع العام, يستجدي عواطف الدولة المنشغلة بترميم جدران العملية السياسية المشرفة على الانهيار. وجعل الناس تنشغل باسمائها الكثيرة,
أولم تعلم مؤسساتنا الرياضية بمساعي الولايات المتحدة الحثيثة نحو منح جنسيتها لأصحاب المواهب الرياضية الواعدة, وكيف كانت وفية معهم, ولم تتخل عنهم حتى بعد اعتزالهم, وخير مثال على ذلك هو, البطل العالمي, النمساوي الأصل, في رياضة بناء الأجسام (أرنولد شوارزنيجر), والذي فتحت له أمريكا استوديوهات هوليود, وصنعت منه نجما كبيرا في عالم السينما, ثم نصبته حاكما مطلقا على ولاية كاليفورنيا, التي تقدر ميزانيتها وحدها بنحو 26.3 مليار دولار.
ومن نافلة القول نذكر أن (أرنولد) الرياضي والفنان والحاكم, من المرجح أن يكون في شبابه من أشد المعجبين بالرياضي العراقي (عباس الهنداوي), وربما كان على احتكاك مباشر معه في سباقات بناء الأجسام, فقد كان عباس بطلا للعالم في الوزن الثقيل في أربع دورات عالمية متتالية, وسبق (أرنولد) في هذا المضمار, وتربع على بطولات آسيا كلها قرابة 26 عاما, حتى نال لقب بطل الأبطال من دون منازع (Overall Winner), ثم أصبح بطلا أسطوريا في سجلات المجلس العالمي لبناء الأجسام, وحصل على لقب أجمل ذراع, وأجمل أكتاف, وحصد أكثر من خمسين وساما ذهبيا عالميا, ثم انتهى به المطاف عاملا متجولا في مطاعم بغداد, يغسل الأواني, ويمسح الأقداح, وينظف الموائد, ويخدم الزبائن, ويضيف لمسات جديدة للمهزلة.
بربكم ألا يستحق أن يكون هذا الشيخ الرياضي الخبير وزيرا للرياضة, أو وكيلا للوزارة, أو مستشارا لها في الدورة القادمة, ومن يا ترى أفضل منه في هذا االمضمار الذي كان فيه هو المبدع والمتألق والمتميز, ألا يستحق بعد هذا الكفاح الطويل المكلل بالانتصارات المتوالية أن يعيش معززا مكرما في بلده ووطنه, وبين أهله وناسه ؟؟, ثم ألا يستحق بعد هذه الانجازات الذهبية الرائعة أن يلقى الرعاية والعناية والاهتمام والتقدير والاحترام والتكريم .؟
اشكو لمن