تُعاني بعض الأسر من تضييق الزوج أو الأب في الإنفاق عليها؛ وقد يكون هذا نابعًا من ضيق ذات اليدِّ فعلًا، أو يكون ناتجًا عن شُحِّ الرجل، وقد وصف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقًا كثيرة لعلاج مثل هذه المشكلة؛ منها هذه السُّنَّة الجميلة التي بين أيدينا، وهي سُنَّة احتساب النفقة على الأهل، بمعنى أن يُنفق الرجل النفقة على أهله وهو ينتظر من الله أجرًا ومثوبة على ذلك، وكأنها صدقةً أنفقها على محتاجين؛ فقد روى البخاري عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ».
فهذا تصريح من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النفقة على الأهل كالصدقة في أجرها، وهذا سيدفع كثيرًا من الرجال إلى توسيع النفقة على الأهل؛ فشعور الرجل أنه "مضطر" إلى الإنفاق لأن هذا واجبه وفرضٌ عليه قد يُضجره ويُظْهِر الشُحَّ الذي في نفسه، أما تصوير الإنفاق على أنه صدقة؛ فهذا يُرِيح النفس جدًّا، ويفتح أمامها مجالات كثيرة للانطلاق، ويدعم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الفِكْر بأحاديث عدَّة؛ فقد روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ».
وروى مسلم عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ عَبْدًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ -أي قال له: أنت حرٌّ بعد موتي-، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَلَكَ مَالٌ غَيْرُهُ؟» فَقَالَ: لَا. فَقَالَ: «مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟» فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْعَدَوِيُّ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَجَاءَ بِهَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا». يَقُولُ: فَبَيْنَ يَدَيْكَ وَعَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ.
وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ».
فهذه كلها نصوص تُرَسِّخ في نفوسنا هذه السُّنَّة الجميلة.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
المصدر : كتاب " إحياء354 " للدكتور راغب السرجاني