حكاية الفيل الأبيض وغيرها من قصص الحيوانات، تستخدم وبكثرة في كتب التطوير الإداري، وهي وإن لم تخل من الطرافة، فإنها تحمل في طياتها في ذات الوقت الكثير من الرسائل المهمة والحكمة البالغة.
حكاية الفيل الأبيض، وهي حكاية تأتي في الأصل من الموروث الهندي القديم، تقول إنه في الهند قديما، كانوا يطلقون لقب المهراجا على الشخص عندما يبلغ مرتبة معينة من الثراء، أي أنه لقب لا يحصل عليه الإنسان لارتباطه بأصل ما أو سلالة معينة، إنما حين يبلغ ما يملكه من المال والثروة والأملاك مستوى معينا من الثراء، وبالتالي فإن المهراجا الذي يخسر ماله وثروته لأي سبب من الأسباب، يسحب منه لقبه تلقائيا، ليعود كبقية الناس العاديين، أو لنقل محدودي الثراء، حتى يعود إليه الغنى الفاحش الذي يؤهله لهذا اللقب مجددا!
ويقال كذلك إن جماعة “المهراجاوات” هناك كانوا حريصين على ألا يدخل ناديهم الخاص هذا إلا من يرضون عنه ويريدون له ذلك، وعندما تشاء الظروف أن يثرى أحد ما رغما عنهم، لسبب من الأسباب، فيصبح مهراجا وهم لا يريدون له ذلك، فإن الأمر لا يروق لهم مطلقا، لكنهم لا يجدون من وسيلة للتخلص منه وإعادته إلى مقامه الأصلي إلا أن يتظاهروا بالاحتفال به لانضمامه لجماعتهم، فيعمدون من ضمن فعاليات الاحتفال به إلى إهدائه فيلا أبيض.
ويعتبر الفيل الأبيض والذي هو من فصيلة نادرة، من الحيوانات المقدسة في الهند، وبحسب التقاليد الهندية القديمة فإن هذا الفيل لا يصح أن يجعل كبقية الفيلة للتحميل والركوب، وإنما يعامل كإله من الآلهة، ويجب أن يسكن في مكان خاص وأن يقدم له الطعام الوفير من الخضراوات والفاكهة في أوان من الذهب والفضة، وأن يجعل له من يرعاه ويقوم على خدمته ورعاية شؤونه!
ولأن هذا المهراجا المبتدئ جديد على هذه الحياة الفارهة ويريد أن يثبت لياقته واستحقاقه للمكانة الجديدة، يسارع إلى قبول هذا الفيل المقدس الذي لا يجوز رده والتعهد برعايته!
وغالبا ومع مرور الوقت يجد هذا المهراجا الجديد نفسه في مشكلة الإنفاق الشديد على هذا الفيل المقدس، وسرعان ما يكتشف أنه قد أنفق ثروته وماله على رعايته، فأصبح ما لديه من المال لا يؤهله للقب المهراجا، ليجد نفسه وقد عاد إلى طبقته الاجتماعية السابقة، ولا يفلت من مصيدة الفيل الأبيض إلا أصحاب الثروة الكبيرة حقا!
وتستخدم هذه الحكاية في عصرنا الحالي على سبيل العبرة الإدارية، حيث يقال إن فلانا تلقى فيلا أبيض كهدية، ليقصد بذلك أن من أهداه الفيل الأبيض أراد في حقيقة الأمر أن يشغله بهذه التبعة والحمولة الثقيلة، فيوقعه في فخ يحرق به جهده وطاقته، ويفشل مساعيه. ولو تلفتنا حولنا لرأينا كم هم كثر أولئك الذين يتلقون الفيلة البيضاء، خصوصا في عالم السياسة!