إن ديننا هو عين الواقعيّة

أساسا ديننا هو عين الواقعيّة. فإذا تحدّثنا مع أهل العالم بهذا الخطاب، عند ذلك يهمّش الخطاب التكفيري الذي يستخدم الدين وبعض الرموز الدينية كغطاء لحياته المتحجّرة وغير العقلانية. إذ يرى الناس بعد ما قارنوا بين الدين الحنيف وبين الدين المنحرف الذي يدعو إليه التكفيريّون، أن الدين الحنيف دين عقلاني يدعو إلى التعقّل. ونحن قد دعينا 49 مرة في القرآن الكريم وبشتى الأساليب إلى التعقل. وإذا نرى القرآن قد استحقر الكافرين فذلك بسبب أنهم قوم لا يعقلون.
هنا أنهي المقدّمة. وإن كان الحديث في هذا المجال كثير ذو شجون. نحن إذا استطعنا أن نتحدث مع أهل العالم بهذا الخطاب الواقعي، سوف ننتصر في الحرب الناعمة؛ هذه الحرب التي شنّها المستكبرون على جميع أبناء البشر لا علينا فحسب، إذ قد شنّوا حربا ناعمة على شباب شعوبهم أكثر من شبابنا.
لقد سافرت قبل حوالي 15 سنة إلى إحدى البلدان الغربيّة. فكنت ضيفا عند أحد أساتذة الجامعة والذي كان ممثّل إيران في التعليم العالي وكذلك كان قد ترأس إحدى جامعات طهران سنين عديدة. فقال لي هذا الأستاذ: «كنت أعتقد سابقا أن الشباب الغربي مولعون بالفسق والفجور، ولذلك فتح رؤساؤهم لهم المجال ليفعلوا ما يشاءون. ولكني الآن وبعد مضيّ سنين من إقامتي في هذا البلد وأنا أشاهد قنواتهم التلفزيونية، اكتشفت أن الأمر ليس كما كنت أراه سابقا. بل إن رؤساءهم يصرفون الأموال في سبيل تلقين شبابهم وجرّهم إلى الفساد».

كانت رسالة قائد الثورة الإسلامية إلى الشباب الغربي، دعوة إلى العقلانيّة لا حتى دعوة إلى الإيمان بالدين

لم يشنّ المستكبرون الحرب الناعمة ضدّنا فقط، لذلك ينبغي لنا أن نوقظ الشباب الغربي. أنا أعتقد أنّ رسالة حبيب قلوبنا (سماحة ولي أمر المسلمين الإمام الخامنئي دام ظله) إلى الشباب الأوروبّي والأمريكي كانت دعوة إلى العقلانيّة لا حتى دعوة إلى الإيمان بالدّين. العقلانيّة التي تفرض عليكم إذا أردتم الاستطلاع عن دين ما، أن تراجعوا مصادره الرئيسة، فإنها توصية إلى سلوك عقلاني. يعني إذا أردتم أن تتخذوا انطباعا خاصّا عن هذا الدين، فراجعوا القرآن بأنفسكم ثمّ اخرجوا بأيّ نتيجة شئتم. وهذه كلمة ودعوة عقلانيّة.
نحن إذا تحدّثنا بهذا الخطاب في مجتمعنا سوف تزول كثير من الاختلافات. من هم الذين كانوا يدافعون عن الديمقراطيّة سابقا، وقد أصبحوا يستحيون اليوم من ذكر اسم الديمقراطيّة؟! وما هي الإيجابيات التي كانوا يبحثون عنها في الحكومة الديمقراطيّة؟ كل تلك الفوائد ـ لو كانت موجودة في الديمقراطيّة واقعا ـ فهي متاحة بشكل أفضل في الحكومة الولائيّة. ومن هم الذين يشعرون بتخوّف من حاكميّة الدين؟ ومن ماذا يخشون؟ نحن نستطيع أن نطمئنهم ونزيل خوفهم عبر النظرة الواقعيّة وبعد ما حصّلنا على تجربة تاريخيّة كبيرة في حكومتنا، فهي تسنح لنا القدرة على إزالة العديد من المخاوف والشبهات. كما أن القرآن الكريم قد دعانا كرارا إلى كسب التجارب والسير في التجارب التاريخية.

إن رؤيتنا الثورية والمثالية واقعيّة تماما

ما أردت أن أؤكد عليه في هذه المقدمة هي أن ديننا يدعو إلى الواقعيّة ولا ينبغي لأحد اليوم أن يحدث شقاقا في أفكار الشعب تحت شعار الواقعيّة زاعما أنه قد حصل على تحفة ثمينة في مقابل النظرة الدينية! لأن رؤيتنا الدينيّة والثورية والمثالية، واقعيّة تماماً ومترعة بالرؤية الواقعيّة، ولكن لابدّ من ملاحظة الواقع بأجمعه.

من الذي يدير العالم وكيف؟

أنا الآن وفي هذا المجلس الشريف بصدد الحديث عن أحد هذه الواقعيّات. فننطلق في ذكره من هذا السؤال وهو أنه من الذي يدير العالم وكيف؟ لا أريد أن أتحدث بالخطاب المثالي، ولا الخطاب القيمي، ولا الخطاب الديني، ولا حتى الخطاب الثوري. ولكني أريد أن أتحدّث عن الواقع. مثلا انظروا إلى رؤية السيد الإمام العرفانية؛ كم هي رؤية واقعيّة!
بودّي أن أقدّم لكم تقريرا عن كلمات السيد الإمام(ره) ـ والتي أثارت إعجابي كثيرا ـ لتطلعوا على هذه الكلمات العميقة والإنسانية والواقعيّة وتحللوها كيف ما شئتم. أنا أريد أن أقول أن رؤية الإمام هذه التي تبلورت في هذه الكلمات هي رؤية واقعيّة مع كونها رؤية عرفانيّة. بعد ذلك يمكن القول بأن من لا يتبنّى رؤية الإمام، فهو لا يحظى بعقلانيّة وبمعلومات كافية حتى من ناحية الاجتماية والسياسيّة.

القاعدة الواقعيّة التي أكد عليها الإمام 26 مرة خلال ثلاث سنوات

من يدير العالم؟ اسمحوا لي أن أقدّم لكم رؤية الإمام الخميني(ره). بعد ما رجع الإمام الخميني(ره) من باريس، حكى قصّة ثم كرّرها في السنة الأولى 11 مرّة. (طبعا قد حكى الإمام ـ حسب قوله ـ هذه القصّة في باريس كرارا وقد وردت إحدى حكاياته في صحيفة الإمام) يعني قد كرّر الإمام حكاية هذه القصّة التي سوف أنقلها لكم. ثم استخرج الإمام قاعدة اجتماعية من هذه القصّة وبعد ذلك أشار إلى هذه القاعدة 26 مرّة في السنين الأولى من الثورة.
ما هذا المضمون الذي استحقّ التكرار حوالي عشر مرّات وخلال مدّة قصيرة؟ وكأن الإمام كان مصرّا على تكرار هذه القضيّة في جميع خطاباته. وما هذه القاعدة الواقعيّة التي أكّدها وكرّرها الإمام 26 مرّة في السنين الأولى من انتصار الثورة وخلال ثلاث سنين؟

يتبع إن شاء الله...