في الحياة نوعٌ من الفرص يسمّونها "ثمينة" والواجب استثمارها على الوجه الأمثل لإثبات الذات، وعلى الرغم من معرفة إدينسون كافاني لهذا الأمر جيّداً قبل دخوله الامتحان الأوروبي أمام العملاق الكتالوني الأربعاء الماضي، فإنّ ذلك لم يحفّزه للبروز بالشكل المطلوب بل على العكس، فقد بدا الإحباط جلياً من خلال "ما جادت" به قدماه.فرصة ذهاب الدور ربع النهائي لأعرق المسابقات الأوروبية "دوري أبطال أوروبا" هي فعلاً كانت ثمينة لقنّاص "لا سيليستي" ليقطع مع وابل الانتقادات الذي يستهدفه كلّما غاب "السلطان إيبرا" وحضر هو في ثوب "المعوّض المنقذ".. هذه الصيغة الأخيرة التي كان لها الدور الفعّال في نزع كافاني لسترة التوهّج أيام الـ"بارتينوبي".عند الإمتحان لم يُكرم كافاني..
قبل الدخول في منعرجات تقييم ليلة كافاني "الشاحبة" في حديقة الأمراء أمام الـ"بلاوغرانا" الأربعاء الماضي، لا بدّ من التذكير بأنّ أرقام المهاجم الأوروغوياني لم تكن سيّئة أوروبياً هذا الموسم، كما أنّه ساهم بفعالية في عبور جسر تشيلسي الإنكليزي في محطة ثمن النهائي بتوقيعه هدف التعادل في ذهاب الـ"بارك دي برانس"، قبل انتفاضة العودة على أرض "ستامفورد بريدج" بالذات برأسيتين برازيليتين حملتا توقيع دافيد لويز ومواطنه القائد تياغو سيلفا.غير أنّ امتحان الحقيقة الكاتالوني في نصفه الأول على أرض الأمراء، جاء مخيّباً جداً للآمال المنعقدة على إدينسون، الذي كان يحمل على كاهله حمل تعويض النجم رقم واحد في الكتيبة الباريسية، إيبراهيموفيتش.كافاني بدا تائهاً ضائعاً لا حدود لنشازه في ليلة استأثر فيها بملامح الرداءة في الخط الأمامي حيث اتّسمت تحرّكاته بالبطء وقلّة التركيز بل وطالت حتى عرقلة سير هجمات أخرى مثمرة لزملائه، وكتفسير لما حدث ذهب البعض لتحليل الجوانب النفسية لشخصية "كافاني اللاعب"، حيث اعتبروه لاعباً هشّاً ولا يمتلك شخصية قوية تجعله قادراً على مجابهة الضغوط التي تكاد تكون يومية في فريق بحجم طموحات الـ"بي.أس.جي"، كما أنّ تميّز مواطنه ونظيره في صفوف البرسا، لويس سواريز، صاحب هدفين رائعين في تلك الأمسية، زاد من تعميق إحباطه وتكريس ليلته الأوروبية القاتمة.
ودون التسليم بأيّ تناول ما، يمكن التأكيد على أنّ كافاني فشل في امتحان برشلونة الأول، بل وأعطى انطباعاً راسخاً لدى الكثيرين وأوّلهم المدرب لوران بلان أنّه من المستحيل الوقوف في صف "البديل الناجع" للنجم السويدي الذي أرهقت غياباته القصرية للعقوبة أو الإصابة، طموحات الباريسيين على أكثر من صعيد هذا الموسم.أرقام لا تخدم مصلحتهلغة الأرقام بدورها، أدارت ظهرها للنجم الأوروغوياني، صاحب الـ28 ربيعاً، والتي تؤكّد حالة التقهقر التي سجّلها على مستوى "ليغ 1" من الموسم الماضي (لعب 30 مباراة بمعدّل 2297 دقيقة و16 هدفاً) إلى الموسم الحالي "حتى الآن" (28 مباراة و2000 دقيقة و8 أهداف فقط).
دلائل تراجع نجم الأوروغواي لا تظهر هنا فحسب بل أنّ هناك تفاصيل وزوايا فنية أخرى دقيقة تبرز أنّ كافاني ليس هو هدّاف نابولي الذي عهدناه ومنها إضاعته لحساب مباريات الدوري لـ21 فرصة تهديف محقّقة، وتسديده لـ32 كرة خارج إطار الخشبات الثلاثة من 69 تسديدة إجمالية ووقوعه في مصيدة التسلل في 33 مناسبة كاملة، وتسجيله 8 أهداف بمعدّل هدف واحد كل 250 دقيقة وهو رقم ضعيف نسبة إلى نجم دُفع فيه مبلغ 65 مليون يورو لتقديم الكثير لا قليل كهذا.وتبرز فداحة هذه الأرقام إذا ما وُضع السلطان في طرف الكفّة المقابلة للميزان، حيث سجّل النجم السويدي، الذي تخطّى حاجز هدفه المئوي مع الباريسيين منذ أيام قليلة، (22 مباراة و1823 دقيقة و17 هدفاً) في إطار الدوري دائماً، كما أضاع 17 محاولة محقّقة للتسجيل ووقع في التسلل في 20 مناسبة وسدّد 65 تسديدة منها 18 غير مؤطّرة، وهي ما تعتبر أرقاماً بعيدة نسبياً عمّا حقّقه كافاني.معاناة كافاني في عهده الباريسي تلوح أيضاً في انحداره الملحوظ من مواسمه الثلاثة في نابولي التي وقّع فيها 104 أهداف في 138 مباراة، حيث كانت معدّلاته التهديفية منتظمة على الدوام (33 هدفاً في الموسم الأول، ومثلها في الموسم الثاني و38 هدفاً في الثالث)، بينما لم يحقّق مع الـ"بي.أس.جي" في موسميه الإثنين معه سوى 45 هدفاً في 86 مباراة (25 هدفاً و43 مباراة في الموسم الأول، و20 هدفاً من 43 مباراة حتى الآن).مجابهة "السلطان" خطأ فادح؟
بالعودة إلى بعض المنغّصات الأخرى لمشوار فتى مدينة سالتو المدلّل في العاصمة الفرنسية، تطفو على السطح مشاكله مع زميله ونجم الفريق الأول، زلاتان إيبراهيموفيتش، مشاكل بدأت بالإعلان عن نفسها بوضوح هذا الموسم ومحورها الأول زعامة الخط الأمامي للفريق، حيث يعتبر كافاني أنّ منافسه السويدي يستأثر بالأفضلية في كلّ شيء بما في ذلك النجومية، وهو ما سبّب حالة من القلق لدى اللاعب ظهرت ردود فعلها في أكثر من مناسبة.وأياً كانت صدقيّة أحاسيس كافاني من عدمها، فإنّ من الحتمي بأنّه يسلك الطريق الخطأ الذي قد يؤدّي به إلى خارج أسوار حديقة الأمراء، لأنّ الصراع مع زلاتان لن يجدي نفعاً، لأنّ لا أحد في باريس يقبل التضحية بنجم عالمي أعطى بعداً جديداً لباريس بأكملها وليس للـ"بي.أس.جي" فحسب، هذا دون التطرّق إلى مساهماته الكروية التي لا تستحق إلى نقاش أو إشارة، فالخاسر الوحيد من هذا الصراع لن يكون إلاّ كافاني."السيّدة العجوز" تودّ احتضانه
ببلوغ فرضيّات مغادرة كافاني أو بقائه، نصل إلى مربط الفرس، الذي لا يزال يحيّر الصحافة الفرنسية التي بقيت تسبح في فلك التكهّنات، ولكن ما يمكن ترجيحه خصوصاً فيما جدّ مؤخّراً، هو ركوب كافاني قوارب العودة إلى رحاب الـ"كالتشيو" متّخذاً وجهة تورينية اسمها يوفنتوس.فرضيّة تمتلك نسباً راجحة ومنطقية إلى حدّ بعيد لسببين جوهريين:الأوّل: حاجة "السيّدة العجوز" الماسّة إلى رأس حربة صريح وقنّاص وضليع بالأجواء الإيطالية، وهو ما ينطبق تماماً على كافاني، بهدف تعويض النجم الأرجنتيني المتألق هذا الموسم كارلوس تيفيز، الذي قرّر – بحسب الصحافة الإيطالية - وبشكل مفاجئ شقّ طريق العودة إلى بلده لأسباب عائلية.الثاني: نقطة اشتراك باريسية- يوفنتينية، تتمحور بالأساس حول رغبة سان جيرمان الجامحة في استقطاب نجم متوسط ميدان الـ"تريكولور" الرائع، بول بوغبا، وما يسهّل الأمور أكثر أنّ قيمة انتقال كافاني لا تقلّ عن 45 مليون يورو وهو مبلغ معتبر للغاية يمكن للإدارة الباريسية استقطاعه من الصفقة الإجمالية لضمّ بوغبا الذي يرجّح البعض وصولها إلى حاجز الـ90 مليون يورو، وبالتالي الفوز ببعض الأشواط على درب سحب صفقة الأخير خصوصاً، من أنياب عملاقي الليغا، برشلونة وريال مدريد "المتيّمان" أيضاً بقاذفة الصواريخ الفرنسية.بين كلّ ما تقدّم وما سيبوح به هذا الصيف، سيكون على كافاني الظهور بشكل لافت في كوبا أميركا القادمة التي تحتضنها التشيلي، وهو ما قد يؤهّله إلى بداية رحلة جديدة بطموحات متجدّدة أو إقناع سان جيرمان بجدارته بالبقاء ضمن ترسانته
المصدر