بيروت ـ سليمى حمدان
رغم أننا في القرن الحادي والعشرين، ومع ذلك ما زال العنف سائداً في كثير من المجتمعات، وكأنّ العالم ما زال في بداياته الأولى، ولعل أغربه العنف في العائلة الواحدة، فنرى الضرب المبرح بين أفرادها الذي قد يصل إلى قتل الزوج زوجته.
ورغم وجود القوانين والأعراف التي نهت عن الضرب والعنف، إلا أننا نلاحظ بكل أسف أخيراً في لبنان ظهور عديد من حالات قتل الزوجة، لسبب ما أو من دونه، أحياناً يكون القتل معمّداً، وأحياناً أخرى تموت فيها الزوجة من شدة الضرب وتعنيفها،
وطبعاً الأمر لا يقتصر فقط على لبنان بل هو موجود في كل المجتمعات العربية خصوصاً، ونرى نشوء عديد من الجمعيات المطالبة بعدم تعنيف المرأة ودعمها للمطالبة بحقوقها وإعلانها عن تعرضها للتعنيف، ولكن ما زالت نساء عدة يُضربن حتى اليوم من دون أن يحركن ساكناً بل اعتدن الضرب قوتاً يومياً.
يقال إن أحد أسباب تعنيف الرجل زوجته أو المرأة بشكل عام هو طريقة تربيته هو شخصياً، إنه حتماً قد تعرض للعنف والضرب المبرح من والديه كليهما أو من أمه، ما يولد لديه كرهاً للمرأة وحالة غضب تجبره على الانتقام من جنس حواء كله.
من جهته، يفيد الإخصائي النفسي الدكتور أنطوان شرتوني: "على صعيد التحليل النفسي وعلم النفس الاجتماعي فإن الطفل الذي يتربّى في بيئة حاضنة للعنف، كأن يتعرض للضرب من أمه أو أبيه أو أخيه أو أخته أو أي شخص آخر، فإن ذلك يؤدّي إلى هدم شخصيّته"، مضيفاً: "العنف لا ينحصر في الضرب فقط، بل أيضاً في الكلام المؤذي والمسيء الذي يتعرّض له ويتربّى فيه، فالكلام أقسى من الضرب".
وإذا ما كان تعنيف الطفل وهو صغير يؤدي إلى أن يتعامل مع عائلته وأولاده في المستقبل بعنف كشف الدكتور الشرتوني: "إن الطفل المعنّف ستكون لديه ردّة فعل عندما يكبر على نوعين: فإمّا أن تكون ردّة فعل عكسية، أي أن يعامل فيها عائلته وأولاده بعكس ما عامله به أهله وهو صغير،
فيعامل زوجته وأولاده وكل الناس أحسن معاملة وإما ردّة فعل عنيفة جداً، فيسير على نفس المنهج الذي سار عليه أهله ومعه، وقد يمسي قاسياً جداً، بل أكثر قسوة ممن كانوا قساةً بحقه، فيضرب زوجته وأولاده، ويوجّه إليهم الكلام المؤذي جداً لشعورهم وشخصيتهم، فالأذى النفسي لا يمكن لشيء أن يمحوه، ويبقى موجوداً".
واستدرك الطبيب الشرتوني: "صحيح أنَّ هناك من الأطفال المعنفين الذين قد لا ينهجون منهج العنف عندما يكبرون، ولكن لا نعرف نسبة هؤلاء، في ظل عدم وجود إحصائيّات دقيقة، مشيراً إلى أنّ نسبة قليلة جداً، وإلا لماذا ما زال العنف مستشرياً في المجتمع إلى هذه الدرجة؟
وفي الختام دعا الطبيب الشرتوني إلى التخلي عن العنف نهائياً، سواء على صعيد العنف الجسدي أو العنف الكلامي، فكلاهما مؤذٍ فوق الحد، ويؤدي إلى نتائج سيئة، مطالباً بمنع العنف نهائياً في المدارس، واحترام شخصية الطفل مهما كان صغيراً، لأن العنف والأسى لا يُنسى.
كما ناشد أخيراً الأهل الانتباه لأطفالهم وإبعادهم عن كل سوء يتعرّضون له من خلال مراقبتهم ومعرفة كيف يتصرفون ومن يرافقون وماذا يقرأون، خاصة في عصر الإنترنت، بشرط عدم خنقهم والسيطرة عليهم.
تقرير روتانا