كثيرًا ما ينتبه الإنسان أثناء نومه فيستيقظ لبرهة؛ سواء كان ذلك لتقلُّبه في فراشه، أو لرؤيته حُلْمًا، أو لسماعه صوتًا، أو لغير ذلك، ثم يُكمل المرء نومه بعد انتباهته المؤقتة، وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سُنَّةٌ في هذه الانتباهة القصيرة، وهي ذكرٌ ودعاء، وقد يُتْبِع ذلك بوضوء وصلاة؛ فقد روى البخاري عَنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا، اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ».
والتعارُّ في الليل هو الاستيقاظ والانتباه، وعليه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول ثلاثة أنواع من الذكر متتالية: أولها شهادة التوحيد، وهذه لا يثقل معها شيء كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث البطاقة برواية الترمذي -وقال الألباني: صحيح- عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «.. فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ. فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ البِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ؟! فَقَالَ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ. قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كَفَّةٍ وَالبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ، فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتِ البِطَاقَةُ، فَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ».
وثاني الأذكار هي أحب الكلام إلى الله، وذلك كما روى مسلم عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ. لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ».
وثالث الأذكار كنز من كنوز الجنة، كما روى البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ هِيَ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ؟ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ».
ثم بعد هذه الأذكار العظيمة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بالمغفرة، ثم يدعو بما شاء اللهُ له أن يدعو، وقد روى أبو داود -وقال الألباني: صحيح- عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَبِيتُ عَلَى ذِكْرٍ طَاهِرًا، فَيَتَعَارُّ مِنَ اللَّيْلِ فَيَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ».
فبعد هذه التقدمة الكريمة بهذه الأذكار العظيمة يقبل اللهُ دعاء المسلم، فإذا أتبعه بصلاةٍ قُبِلَت هذه الصلاة، والواقع أن تَذَكُّر هذه السُّنَّة في أثناء الاستيقاظ السريع في جوف الليل أمرٌ صعب، ولن يقدر عليه إلا مَنْ شَغَل نفسه بالذكر أثناء نهاره وليله، فاللهم أعنَّا على دوام ذكرك!
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
المصدر : كتاب " إحياء354 " للدكتور راغب السرجاني