كنّا في ما مضى لا نقدر على تبيين واقعيّة قيمنا جيّدا، أما الآن فأصبحنا قادرين على ذلك
بإمكاننا اليوم أن نحدث تغييرا في أدبياتنا. كنّا في زمنٍ بحاجة ماسّة إلى الحديث عن القيم، وقد يكون ذلك بسبب عجزنا عن تبيين واقعيّة قيمنا جيّدا، أما الآن فأصبحنا قادرين على ذلك. حتى إذا أردنا أن نتحدث عن قيمة الحجاب، بإمكاننا أن ننطلق في الحديث بنظرة واقعيّة، كما أن القرآن الكريم قد سلك نفس هذا المنهج.
يشعر الإنسان أحيانا أنه عندما نتحدث عن القيم بأدبيات مثاليّة، فإن ذلك بسبب كوننا لم نتفهّم قيمنا جيّدا. فعلى سبيل المثال عندما يتحدث القرآن عن الحجاب، يوصي النساء بحفظ حجابهنّ حفاظا عليهن وصيانة لهنّ من الأذى؛ (يُدْنینَ عَلَیْهِنَّ مِنْ جَلاَبِیبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ یُعْرَفْنَ فَلا یُؤْذَیْن)[أحزاب/59] وهذه نظرة واقعيّة إلى موضوع الحجاب.
لابدّ لنا أن نمسك بزمام إدارة أدبيات مجتمعنا، فلا نسمح بإطلاق أي اسم علينا، ولا نقنع بأي مصطلح وضعوه علينا، أو اسم احتكره الآخرون لأنفسهم. فأفضل طريق هو أن ننزع السلاح من يد الخصم ونستخدمه ضده.
أكرر مرّة أخرى: إن مقتضى الظروف الراهنة هي أن نتجّه صوب هذه الشفافيّة عن طريق النظرة الواقعيّة، ثم لا نبقي سلاحا بيد أحد ليشهره ضدّ المثل.
واقعية الإمام الخميني(قدس سره) في عام 1980: لقد امتزجت اليوم مصالح جميع البلدان الإسلامية مع بعض!/ أي قضية تحدث اليوم في إحدى مناطق العالم هي قضية العالم جميعا لا قضية تلك المنطقة فحسب!
اسمحوا لي أن أقرأ لكم كلمتين من كلمات السيد الإمام الخميني(ره) لكي تروا كيف كان الإمام ومنذ اليوم الأول يبيّن مُثُل الثورة بنظرة واقعيّة، مع أن التبيين الواقعي لمُثًل الثورة كان أمرا عسيرا يومذاك. لقد قال الإمام في عام 1980: «يجب على المسلمين أن يستيقظوا. يجب عليهم أن يكونوا نبهين إذ ليس اليوم كالأمس. وليس عصرنا هذا كالعصور الماضية، التي تحرز كل طائفة مصالحها في منطقتها [وبمعزل عن باقي الطوائف].» [صحيفة الإمام(الفارسية)/ ج13/ ص133] وكذلك قال في مقطع آخر من كلمته: «أي قضيّة تحدث اليوم في إحدى مناطق العالم هي قضيّة العالم جميعا لا قضيّة تلك المنطقة فحسب. لقد امتزجت اليوم مصالح جميع البلدان الإسلاميّة بعضها مع بعض. وإن مصالح إيران الإسلامية مرتبطة بمصالح سائر البلدان الإسلامية.» [صحيفة الإمام(الفارسية)/ ج13/ ص134]. وأنا أقول للسيد الإمام(ره): سيدنا نحن في ذلك اليوم لم نكن نعي كلمتك هذه حين قلت: «لقد امتزجت مصالح جميع البلدان الإسلاميّة بعضها مع بعض.» أما اليوم فندركها.
إن هؤلاء الإرهابيين الذين يقومون بإبادة الشعوب المظلومة في منطقتنا، هم بصدد إبادتنا أيضا، فلا فرق بيننا وبينهم، فلابدّ لنا جميعا أن ندافع عن المظلومين وها نحن نرى بوادر تشكيل الجيش الإسلامي المشترك لمواجهة الإرهابيّين. هذه هي النظرة الواقعيّة التي كان يحظى بها الإمام الراحل. وهذا هو الإمام الذي كان ينادي بالمُثًل. فإن وسعة واقعيّته صنعت منه إنسانا مثاليّا.
واقعيّة الإمام في الأعوام الـ 35 الماضية: إن سود أمريكا يتحملون الضرب والشتم بسبب هذه الصحوة!
ولأقرأ كلمة أخرى للإمام الخميني(ره) في عام 1980. قال: «لقد أصبح الأمر بحيث نهض المستضعفون أمام المستكبرين، وقد استيقظوا. إن اليقظة لهي أول خطوة» [صحيفة الإمام(الفارسية)/ج12 /ص382]. انظروا متى قالها السيد الإمام! لقد كان ينظر الإمام في ذلك اليوم تفجّر بذور الصحوة في جوف الأرض وبوادر انبثاقها من التراب فأخذ يتحدث عن هذه الصحوة بقوّة وثقة وبنظرة واعية. فإنه في الواقع بدأ يبصّر الناس بما حدث في العالم فقال: «اليقظة هي الخطوة الأولى، الخطوة الأولى هي اليقظة. كما في السلوك العرفاني تمثّل اليقظة الخطوة الأولى. وكذلك في هذه الحركة التي هي حركة إلهيّة وعرفانيّة، اليقظة هي الخطوة الأولى، وقد استيقظت البلدان الإسلامية والشعوب المسلمة والشعوب المستضعفة في جميع أرجاء العالم. وإن سود أمريكا يتحمّلون الضرب والتشم بسبب هذه الصحوة». [المصدر نفسه]
لقد التفت الإمام من ذلك اليوم إلى معاناة السود في أمريكا وها نحن نرى بوادر يقظتهم بعد مضي 35 عام من كلام الإمام. هذه هي الواقعيّة. لماذا نعتبر إنقاذ العالم من شرّ الظلم مثالا من المثل، حتى يستنكف بعض المتظاهرين بالواقعيّة عن هذا الأمر ويفصل مصالحنا عن مصالح أهل العالم عبر نظرة غير واقعيّة؟
لا ينظر أعداؤنا بهذا الأسلوب، إذ أنهم يعرفون جيّدا أن مجرّد وجود الثورة الإسلاميّة تقضي على مصالحهم وتكسر هيمنة الاستكبار وتنقذ الشعوب في آخر المطاف. فلماذا لا ننظر نحن بهذه الطريقة؟ لقد صدق أعداؤنا إذ قالوا: «نفس وجودنا ينهي الاستكبار». وفعلاً؛ ما لم نقض على الاستكبار لا يمكن لنا السكون والهدوء، وكذلك لا نستطيع قبل القضاء على الاستكبار أن نحصل على الحد الأدنى من مصالحنا. هذا هو عين الواقع.
كان حكم الإمام الخميني(ره) في هدر دم سلمان رشدي عين الواقعيّة
عندما حكم الإمام الخميني(ره) بقتل سلمان رشدي، هل كان قد انطلق من الواقعيّة أم المثاليّة؟ على أساس أدقّ المحاسبات السياسية وبغض النظر عن الدين كان حكمه عين الواقعيّة! إذا كان من شأن الهويّة الإسلاميّة أن تكسب لنا عزّة في العالم، وإذا كانت العزّة الإسلامية جديرة بتأمين مصالحنا، عند ذلك ومن خلال المحاسبات السياسية البسيطة وعلى أساس العلوم السياسية البشرية التي لا علاقة لها بالوحي نستطيع أن نخرج بهذه النتيجة وهي أن يجب الدفاع عن حرمة نبي الإسلام بصفته أبرز إنسان يمنح الهويّة الإسلامية لأمة الإسلام، وذلك في سبيل تعزيز هذه الأمة وتقويتها في مقابل أعدائها. ولا داعي للإيمان بالإسلام وبالقرآن للوصلول إلى هذه النتيجة. بل إنما هي عين الواقعيّة. فلماذا نضعها في عداد المثاليّات؟! لا بأس أن نعتبرها مثالا ولكن يجب في نفس الوقت أن ننزع السلاح من يد خصمنا.
إن كثيرا من الآيات القرآنية تتحدث عن فلسفة الأحكام من قبيل قوله تعالى: (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِکُمْ وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) [الإسراء/7] وهذه هي النظرة الواقعيّة بعينها.
يتبع إن شاء الله...