بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
يوم القيامة فهو يوم الجزاء ، والجنّة والنار يمثّلان الجزاء العادل الذي يلقاه الإنسان الصالح ، والإنسان اللاّصالح إزاء ما قام به من عمل في هذه الدنيا ، ولم يجد جزاءه هنا ، وهذا ما يدلّنا عليه العقل السليم والوجدان ، فكلّنا نؤمن ـ بعقلنا الفطري البديهي ـ بوجود قيم ومبادئ عامّة للسلوك والتصرّف ، وهي القيم التي تؤكد أنّ ( العدل ) حقّ وخير ، وأنّ ( الظلم ) بالطل وشرّ ، وأنّ مَن يعدل في سلوكه جدير بالإحترام والمثوبة ، ومَن يظلم ويعتدي جدير بعكس ذلك ، فهذه القيم التي نؤمن بها بعقلنا ، ووجداننا يدعونا إلى العدل والاستقامة والأمانة الصدق والوفاء ونحوها من صفات ، وتشجب الصفات المضادّة لها ، وأيضاً هذه القيم تطالب بالجزاء المناسب لكلّ من هذه الصفات ، فإنّ العقل الفطري السليم يدرك أنّ الظالم والخائن جدير بالمؤاخذة ، وأنّ العادل الأمين الذي يضحّي في سبيل العدل والأمانة جدير بالمثوبة ، وكلّ واحد منّا يجد في نفسه ووجدانه دافعاً من تلك القيم إلى مؤاخذة الظالم المنحرف ، وتقدير العادل المستقيم ، ولا يحول دون تنفيذ هذا الدافع عند أحد إلّا عجزه عن اتخاذ الموقف المناسب أو تحيزّه الشخصي ، وما دمنا نؤمن بأنّ الله سبحانه وتعالى عادل مستقيم في سلوكه ، وقادر على الجزاء المناسب ثواباً وعقاباً ، فلا يوجد ما يحول دون تنفيذه عزّوجلّ لتلك القيم التي نؤمن بها بعقولنا ، وتطبيقه تعالى لتلك القيم في شكل الجزاء العادل ، فتلك القيم هي التي تفرض الجزاء ، وتحدّد المردود المناسب للسلوك الصالح الشريف ، والسلوك الشائن البغيض ، فمن الطبيعي أن نؤمن ونستنتج من ذلك أنّ الله سبحانه يجازي المحسن على إحسانه ، وينتصف للمظلوم من ظالمه ، ولكننا نلاحظ في نفس الوقت أنّ هذا الجزاء كثيراً ما لا يتحقق في هذه الحياة الدنيا على الرغم من أنّه مقدور لله سبحانه وتعالى ، وهذه برهن ـ بعد أخذ المعلومات السابقة بعين الاعتبار ـ على وجود يوم للجزاء في المستقبل يجد فيه العامل الذي ضحّى مثلاً من أجل هدف كبير ، ولم يقطف ثمار تضحيته ، والظالم الذي أفلَتَ من العقاب العاجل ، وعاش على دماء المظلومين وحطامهم ، يجد هذا وذاك في ذلك اليوم جزاء هما العادل ، وهذا هو يوم القيامة الذي يجسّد كلّ تلك القيم التي آمنّا بها بعقولنا ، وبدون وجود يوم القيامة لا يكون لتلك القيم معنى ، فالذي ينكر يوم القيامة يجب أن يرفع يده عن تلك القيم أيضاً.