في ليلة العاشر من المحرم الأليمة على قلوب الملايين، أود الحديث هنا عن "معلومة ورسالة" تتعلق بأصحاب الامام الحسين عليه السلام الذين خاضوا معه غمار معركة الطف، هل كان عددهم ٧٢ فقط كما هي رواية أبو مخنف المشهورة؟
مبدئيًا لا يوجد عدد أكيد حول أصحاب الامام، وبسبب عمل الاعلام الأموي وما بعده بشكل كبير جدًا على تحريف هذه الواقعة عبر السنين. فان أكثر أحداث الطف التي وصلت إلينا ضعيفة السند -كما يذكر الشيخ محمد سند-
في رواية الحصين بن عبد الرحمن ان عدد أصحاب الامام الحسين مع أهل بيته كانوا ١٠٠، وليس ٧٢.. يقول النص (قُتل يوم الطف من أنصار الحسين ٢٨ من أهل بيته و٧٢ من شيعته)
وفي رواية الامام الباقر التي يذكرها الطبري كان عددهم حوالي ١٤٥.. (فلما رأى ذلك عدل إلى كربلاء…وكان أصحابه خمسة وأربعين فارسا ومائة راجل)
أما المسعودي في مروج الذهب فيذكر أن أنصار الامام كانوا أكثر من ٦٠٠ شخص! (فلما بلغ الحسين القادسية لقيه الحر بن يزيد التميمي… فعدل إلى كربلاء، وهو في مقدار خمسمائة فارس من أهل بيته وأصحابه، ونحو مائة راجل)
وأما "أبو مخنف" نفسه الذي نعتمد "المتداول" عنه بين ايدينا فهو يذكر لنا تفصيلة جديرة بالتأمل كثيرًا، إذ يقول في كتابه (حدثني من شهد الحسين في عسكره: ان حسينا حين غلب على عسكره ركب المسناة يريد الفرات، قال: فقال رجل من بني أبان بن دارم: ويلكم حولوا بينه وبين الماء لا تتأم إليه شيعته) !!
يكشف لنا هذا النص الأخير إشارة الى ان هناك جموعًا كانت تتوافد وتنضّم لجيش الامام الحسين عليه السلام حتى بعد اندلاع القتال.. لذا كان ينادي المنادي في معسكر العدو (ويلكم حولوا بينه وبين الماء لا تتأم إليه شيعته).. يعني ان العدد أكثر مما يُذكر بكثير، بحسب هذا النص.
-----
محاولات التقليل من عدد أنصار الامام الحسين عليه السلام وتصدير عدد ٧٢ كأمر مُسلّم به وسط هذا الكم الكبير من المصادر التاريخية التي تشير الى ان العدد كان أكبر من ذلك بكثير يضعنا أمام عدّة تساؤلات:
- هل تم تصدير هذا "التصغير العددي" لاقناع المجتمعات التي تم تعاصر الواقعة ان الامام الحسين لم يكن له أنصار قانعين به؟ الأمر الذي يسحب منه الشرعية الاجتماعية والشعبية في أذهان الناس ويحولها الى غيره.
- إذا كان أهل العراق "جبناء متخاذلين" كما يصوّر لنا هذا العدد البسيط، فلماذا كانوا يخرجون بالآلاف المؤلفة مع الامام علي بن أبي طالب عليه السلام يقاتلون الى جانبه في جميع معاركه فيَقتِلون ويُقتَلون وقد عُرف بينهم الابطال الاشاوس الذين لا يثنيهم شيء عن خوض غمار الحروب.. أين تبخرت هذه الشجاعة عند أهل العراق حينما تحرك الامام الحسين؟! وليس الفاصلة الزمنية بين الامام وأبيه كبيرة.
- حينما يتم جمع هذه المعطيات الى جانب الأدبيات الأموية الأخرى الكثيرة التي كانت تعمد الى ذم أهل العراق باستمرار عبر التاريخ كوصف الحجاج لهم مثلا بـ (أهل العراق أهل الشقاق والنفاق) تلوح بين السطور عملية ممنهجة لذم أهل العراق وابرازهم بصورة الجبناء المتخاذلين لغرض افقادهم ثقتهم بأنفسهم، ولكي يحتقروا أنفسهم ويشعروا بأنهم قوم لا يمكن الاعتماد عليهم، وهذا الأمر يُسهّل حكمهم والتلاعب بهم وممارسة شتى أنواع الاستبداد على رؤوسهم وهم يعيشون الحالة الانهزامية المتقهقرة التي رسخها الأمويون في اذهانهم مستغلين أقدس ما يؤمنون به..
والسلام على مولانا أبو عبد الله الحسين الشهيد
المظلوم أكثر مما نعرف ونتصور
وعلى أهل بيته وأصحابه وأنصاره