ايلاف/ عبدالجبار العتابي/بغداد:اعلن في مدينة لاهاي الهولندية عن رحيل الفنان العراقي خليل شوقي، عن عمر 91 عاما في احد مستشفيات مدينة لاهاي بهولندا التي يقيم فيها منذ 19 عاما مع اسرته.
رحل عن الدنيا الفنان العراقي القدير خليل شوقي يوم الخميس التاسع من نيسان / ابريل 2015،بعد صراع مع الشيخوخة والمرض، رحل في غربته ايضا وكأن المبدعين العراقيين محكوم عليهم الموت في اوطان بعيدة غير وطنهم العراق لتهتز المدامع صاخبة من وجع البعاد ووجع الرحيل.
ويعد الفنان خليل شوقي من اعظم فناني العراق وقامة عالية من قامات الفن العربي، وصاحب مسيرة فنية استثنائية، قدم للمسرح والسينما والتلفزيون والاذاعة اعمالا ظلت راسخة في الذاكرة الشعبية للناس ومن ثم الذاكرة الفنية للعراق،وهو فنان شامل بمعنى الكلمة، فقد جمع بين التأليف والإخراج والتمثيل وغطى نشاطه الفني مجالات المسرح والتلفزيون والسينما والإذاعة، أحبه الناس ممثلا ومخرجا ومؤلفا، وعشقوا أدواره في التلفزيون والمسرح والسينما، وحفظوا مقاطع لا تحصى منها، وحفظنا أسماء الشخصيات التي مثلها، مثلما ابهرتهم طريقة أدائه المميزة، وسحرهم صوته البغدادي الدافئ الجميل، واطربتهم تلقائية أدائه المميز في كل شيء.فيما تظل شخصيته في مسرحية (النخلة والجيران) شاخصة وهو يهمس لـ"سليمة خاتون"،تقابلها شخصية (قادر بيك) المذهلة في مسلسل (الذئب وعيون المدينة) وتربصه المدهش بـ (حسنية خاتون)، رحمه الله واسكنه فسيح جناته.
كان الراحل يحرص دائماً أن يؤكد في مستهل لقاءاته قوله "أنا كردي، بغدادي الهوى.. وطني العراق"وهو ما أكده ايضا في فيلم وثائقي عنه عُرض في ليلة مهرجان الخليج الافتتاحية الذي احتفى به وبمسيرته الفنية المعطاء عام 2013.
والراحل خليل شوقي، ولد يوم 14 من شهر ايار / مايو عام 1924م في بغداد، وارتبط بالفن بتشجيع من أخيه الأكبر، فدخل قسم التمثيل في معهد الفنون الجميلة ببغداد مع بداية تأسيس هذا القسم، لكنه هجر الدراسة فيه بعد أربع سنوات، وما لبث أن عاد اليه ليكمل دراسته ويتخرج منه حاملاً معه شهادةً دبلوم في فن التمثيل عام 1954.
عمل موظفًا في دائرة السكك الحديد،وأشرف علي وحدة الأفلام فيها وأخرج لها العديد من الأفلام الوثائقية والإخبارية، وعُرضت في تلفزيون بغداد بين عامي 1959 و1964.
مميز في المسرح والسينما
كانت بدايته مع المسرح، وكان من مؤسسي "الفرقة الشعبية للتمثيل" في عام 1947، ولم تقدم الفرقة المذكورة آنذاك سوى مسرحية واحدة شارك فيها الفنان خليل شوقي ممثلاً، وكانت تحمل عنوان "شهداء الوطنية" أخرجها الفنان الراحل ابراهيم جلال، وفي عام 1964 شكّل فرقة مسرحية بعنوان "جماعة المسرح الفني" بعد أن كانت أجازات الفرق المسرحية (ومنها الفرقة المسرحية المشهورة فرقة المسرح الحديث التي كان ينتمي إليها) قد الغيت في عام 1963، وقد اقتصر نشاط الفرقة المذكورة علي الإذاعة والتلفزيون، وكان أيضا ضمن الهيئة المؤسسة التي أعادت في عام 1965 تأسيس (فرقة المسرح الحديث) تحت مسمى "فرقة المسرح الفني الحديث" وانتُخب سكرتيرًا لهيئتها الإدارية.
عمل الراحل في هذه الفرقة ممثلاً ومخرجاً وإدارياً وظل مرتبطاً بها إلي ان توقفت الفرقة المذكورة عن العمل، وقد أخرج للفرقة مسرحية "الحلم" عام 1965، وهي من أعداد الفنان الراحل: قاسم محمد، ومن أشهر أدواره المسرحية التي قدمها ممثلاً دور مصطفي الدلال في مسرحية "النخلة والجيران" التي كان اداؤه فيها ساحرا وخلابا لاسيما في تناغمه مع أداء الفنانة الراحلة زينب، وهو ما منحه صفة التميز، وكذلك تجسيده شخصية البخيل في مسرحية "بغداد الأزل بين الجد والهزل"، ودور الراوية في مسرحية "كان ياما كان"، وهذه المسرحيات الثلاث من إعداد الفنان الراحل قاسم محمد.
في مجال الإخراج السينمائي تهيأت له فرصة في عام 1967 لإخراج فيلم "الحارس" (وهو فيلمه الروائي الوحيد الذي أخرجه)،وقد شارك بالتمثيل فيه، كتب قصته المخرج السينمائي العراقي قاسم حول، وشارك في عدد من المهرجانات السينمائية، ففاز بالجائزة الفضية في مهرجان قرطاج السينمائي عام 1968 كما فاز بجائزتين تقديريتين في مهرجاني طشقند وكارلو فيفاري السينمائيين. واشترك في تمثيله : زينب ومكي البدري وقاسم حول وسليمة خضير وكريم عواد وفاضل خليل.
رائد في التلفزيون
اما في التلفزيون فيعدّ الفنان الراحل رائدا من رواد العمل التلفزيوني في العراق. فقد عمل في تلفزيون بغداد منذ عام 1956 وهو عام تأسيسه، عمل مخرجا وممثلا بعد أن دخل دورة تدريبية ، وهو يقول أيضا انه كتب أول تمثيلية عراقية للتلفزيون، وهي ثاني تمثيلية تقدم من تلفزيون بغداد ولكنها أول تمثيلية تكتب خصيصا للتلفزيون. ولعل أبرز أدواره التلفزيونية دور (قادر بك) في مسلسلي " الذئب وعيون المدينة " و" النسر وعيون المدينة " الذين كتبهما عادل كاظم وأخرجهما الراحل إبراهيم عبد الجليل. وهذه الشخصية شكلت علامة فارقة بين الشخصيات التلفزيونية للاداء الرائع الذي قدمه الراحل فكان في اوج توهجه وقد منحه الناس تقديرا عاليا لازال يذكر له،ومن أدواره أيضا دور "أبو جميل " في مسلسل " جذور وأغصان " الذي كتبه عبد الوهاب الدايني وأخرجه عبد الهادي مبارك، ودور " عناد " في مسلسل " صابر " ودور " صادق " في مسلسل " الكنز "، والمسلسلان من تأليف الراحل : عبد الباري العبودي وإخراج الراحل حسين التكريتي. وأدي دور " أبو شيماء " في مسلسل " بيت الحبايب " الذي كتبه الراحل عبد الباري العبودي وأخرجه حسن حسني، إلى جانب أدواره في مسلسلات : " الواهمون " تأليف : علي صبري، وإخراج: عادل طاهر، و" دائما نحب " الذي أعده وأخراجه صلاح كرم عن مسلسل كتبه قاسم جابر للإذاعة، و" إيمان " لمعاذ يوسف ومن إخراج حسين التكريتي، و" بيت العنكبوت " من تأليف عبد الوهاب عبد الرحمن وإخراج الراحل : بسام الوردي. وتألق أداؤه دور الراعي في تمثيلية "المغنية والراعي" التي كتبها معاذ يوسف وأخرجها الفنان القدير حسن حسني.
احتفاء بميلاده التسعين
اخر نشاطات الراحل.. كان حضوره في مهرجان الخليج السينمائي في دبي عام 2013 الذي احتفى بحاضره وتاريخ فنه، حضر المهرجان حاملاً جهود 60 عاماً من العطاء في مجال الإخراج والتأليف والتمثيل التلفزيوني والمسرحي، قادماً الى دبي من هولندا التي تحولت من منفى قصده قبل 18 عاماً إلى مستقر لأسرته.
وكانت اسرته الفنية الصغيرة قد احتفلت بعيد ميلاده التسعين في 14 / 5 / 2014 في لندن، فقدمت عملاً فنياً جميلاً، وهو مسرحية "همس الياسمين" التي تم إعدادها عن قصة قصيرة بعنوان "الاختان" للكاتبة الكولومبية ماريا دل سوكورو غونزالس، شارك افراد عائلة شوقي في هذا العمل الذي عرض على خشبة مسرح Questors theatre وعلى مسرح في لندن وقبل بدء العرض تم استعراض بعض اعمال الاستاذ خليل شوقي خلال مسيرته الفنية الطويلة من أعمال مسرحية وسينمائية وتلفزيونية، كان الممثلون حسب الظهور هم: روناك شوقي بدور ماريا، عشتار فاروق المفرجي حفيدة خليل شوقي بدور الاخت روز، ربيع العبايچي بدور ڤكتوريا، مي خليل شوقي بدور العمة، رويدة شوقي (ابنة فارس شوقي) بدور ساندرا، أيسر شوقي بدور لارا، والمسرحية من إخراج روناك شوقي، الديكور واثق شوقي، المدير الفني فارس شوقي.
حزن مضيء
وفي ظل الحزن الذي غمر جمهور محبي الراحل، يمكن ان نردد ما قاله الدكتور فاضل السوداني وهو يخاطب الراحل الكبير خليل شوقي : أيها الفنان.. أمجدك كشهاب مازال يضئ سماء مسرحنا العراقي والعربي. ولكن كم كان بودي أن نحرق سوية تلك النذور التي لم نستطع حرقها على سواحل دجلة المقدسة في ليالي الشجون، ليالي المسرح العراقي في زمن بهائه، وليالي فرقة المسرح الفني الحديث. ايها الفنان أمجد فيك تاريخا مازال حيويا، وزمنا لم يستطيعوا سرقة بعضه إلا خلسة وتهيبا.